يامَنْ هواه من القلوب مَكينُ – ابن الرومي
يامَنْ هواه من القلوب مَكينُ … والماءُ في الوَجَنات منه مَعينُ
ومن اغتدى وكأنه من حسنه … في كل عضو منه حُورٌ عِين
وإذا تنفَّس نائماً أو لاثماً … فكأنما يتنفس النِّسرين
أعليك في رمي القلوب وكَلْمها … نَذرٌ وفي منع الشفاء يمينُ
ظبيٌ كأن كناسه مما ترى … فيه دماءَ العاشقين عَرينُ
إني أعوذ بعَدْلك ابنَ محمدٍ … منه وأنت على الظَّلوم مُعين
يامن غدا والمشتري جَدٌ له … والشمس رأيٌ والهلال جَبين
والحلمُ سمتٌ والعفاف طويَّة ٌ … والبِر خِدنٌ والوفاء قرين
ومن استفاض بعدله وبفضله … حتى استوى الجبار والمسكين
ومن استجنَّ من الحوادث جارُه … فكأنه بعد الوِلاد جنين
مَشْتاه في كنفيك يابن محمد … مشتى ً دفيء والمصيفُ كَنين
طاب الزمان له ورقَّ غليظُه … فكأن كلَّ شهوره تشرين
أقسمتُ ما وعد الرجاء بحاصل … إلا وجودُك بالوفاء ضمين
تبدو ووجهك ضاحكٌ مستبشرٌ … عند السؤال وللبخيل أنين
عنوانُ معروفٍ يكون وراءه … بَدءٌ وعَوْد من جداك ثخينُ
فالبشرُ بالبدء الهنِّي مبشِّرٌ … والبدء بالعَود السنِّي رهين
لازلتَ أفضلَ من يطيع إلهَه … ويطيعُه التعميرُ والتمكين
أشكو إليك معاشراً ولعوا بنا … لهمُ كمينٌ في الصدور دفينُ
جَدّوا بنا كالمازحين عَداوة ً … والجدُّ في بعض المِزاح مُبين
فإذا ادّخرت لنا نصيبَ كرامة ٍ … خَانوا وهانَ عليهُم التخوين
غلبتْ على ألبابهم شهواتُهم … فأرتهمُ مالا يزَينُ يزين
من كل أَفوه قد أُمِدَّ بمعدة ٍ … حَرَّى يذوبُ لحرها الهِرْصين
والنابُ منه على الأمانة خنجر … والظّفر من أظفاره سكين
بطلُ الوقاحة لا الحياءِ كأنْ به … عن أن يخونَ أمانة ً تهوين
يأبى مسالمة َ الأمانة مثله … أنى يسالمُ بطَّة شاهين
إنا نُكاد ولانَكيد عدوَّنا … ثقة ً بكيد الله وهو متين
إني أعيذك أن يراك مليكنا … ترضَى خيانتَهم وأنت أمين
فكِّر وقل لهُم مقالة َ صادقٍ … يحتجُّ عند مقاله ويُبينُ
يامن يهَوّن أن يخون أمانة ً … أقسمتُ أن سَيُهينك التهوين
لايصغرنَّ لديك قدرُ خطيئة … إن المحاسبَ سجنُه السّجين
ولعل ذا جهل يقول بجهله … إن المُعاتبَ في الطفيف مَهين
وجوابُه نقدٌ لدينا حاضرٌ … وافٍ إذا نقص الجوابَ وَزين
قولا له إن كان يعقِلُ إننا … قومٌ بحُبّ المُنعمين ندين
من لا يَشحُّ على قليل نصيبِه … من برِّ سيده فذاك ظنين
إن المحبَّ بمن أحب وبالذي … يُسدَى إليه وإن أقلَّ ضنين
وأرى الكرامة حلية ً ماأُخليت … مِن غَيْرة ٍ فيها لها تحصين
تَلقى الفتى الغيران ينفِث دونها … قِطَع الحريق كأنه التنين
والغيرة ُ الشيءُ الذي لم يُلْغه … إلا خَصِيُّ السوء والعِنين
أو قلتُ قولاً لست أجهل أنه … فيه لصدرِ مُرجِّم تخشين
ولما أصبتُ به سوى مُتَعَرِّضٍ … وأخو العداء بما يَدينُ مَدين
فليرضَ بالتهجين أو فلينصرف … عما يكون جزاءَه التهجين
لايحسن الظنَّ اللئيمُ بنفسه … فالغثُّ غثٌّ والسمين سمين
يا من عَطاياه لديه رخيصة … وثناءُ مادِحه لديه ثمين
وإذا اعتصمتُ بجوده فكأنما … غدتِ العواصم لي وقنَّسرينُ
فإذا التقى داعٍ له ومؤملٌ … سُمع الدعاءُ وشُفِّعَ التأمينُ
ستَبرُّني وتسرُّني وتثيبني … وأقول فيك ويُحفَظ التدوين