ومُدامة ٍ أغنَتْ عن المصباحِ – ابن الرومي
ومُدامة ٍ أغنَتْ عن المصباحِ … يلقى المساءَ إناؤُها بِصَبَاحِ
لطفتْ مسالكها وخُصَّ مَحَلُّها … فكأنها انْشَقَّتْ من الأرواحِ
تجلو السرور على الفتى في قلبه … والحسنَ في الكاساتِ والأقداحِ
أَعَليُّ لا أخطأْتَ قصدَ سبيلها … ورُزِقْتَ فيها طاعة النُّصاحِ
أعليُّ لا فارقْتَ ظلَّ سعادة ٍ … أبداً ولا أخطأتَ بابَ فلاحِ
بَكَر الشَّبابُ على الحياة وليتَهُ … بعْدَ البُكُور مُسَاعِفٌ برواحِ
هيهات إلا بالشَّمُول فإنها … نَافي الهُمُوم وجالِبُ الأفراحِ
فامزج غِنَاءَ المحْسِنَاتِ لكأْسِهَا … بغناء عُجْم في الجنَانِ فِصَاحِ
تَهْتَزُّ من طَرَبٍ إذا ما هَزَّهَا … فوقَ الغُصُونِ الخُضْرِ نفْحُ رياحِ
خُذْهَا ولا تخسَرْ لذيذ مَذَاقِهَا … ونسيمها يا طالب الأرْباحِ
بِكْراً تَردُّ على الكبير شبَابَه … فتراه بين صَبَابَة ٍ ومرَاحِ
حسناءَ تكْسو من محاسنها الفتى … فتراه أحْمَرَ أزْهَرَ المِصْبَاحِ
مِنْ كَرْمَة ٍ تَهَبُ المكارمَ للفتى … فتراهُ بين شجاعة ٍ وسَمَاحِ
وتُعِيرُ نَكْهَتَهَا نَدِيمَ أَحِبَّة ٍ … فَيُقَبِّلُ التُّفَّاحَ بالتُّفَّاحِ
تاللهِ ما أدري لأيَّة عِلَّة … يدعونها في الرَّاحِ باسْم الرَّاحِ
ألريحِها ولروحها تَحْتَ الحشى … أم لارْتِيَاحِ نديمها المرتاحِ
شاهدتُ منها مشْهَداً فرأيتُه … حسناًمليحاً بين سِرْبِ مِلاحِ
حَسَدَتْ قياناً كالظِّباءِ ونرجساً … غَضّاً على صُوَرٍ هناك صِبَاح
فتَغَلَّلَتْ من تِبْرها بِغُلاَلة ٍ … وتوشَّحت مِنْ دُرِّهَا بوشاح
فإذا بها محْسودة ٌ معْبودَة ٌ … بين الضرائر جمّة المُدّاحِ
عَدّلَ المحَلِّلُ والمحرِّمُ شُرْبَهَا … وَلِذِي المقالِ مَذَاهِبٌ في الرَّاحِ
إن حُرِّمَتْ فَبِحقِّهَا من حُرَّة ٍ … ما كانَ مثْلُ حريمها بمباحِ
أو حُلِّلَتْ فَبِحقِّهَا من نُشْرَة … تَنْفِي سَقَامَ قلوبنا بِصحاحِ
أوَ لاَ يحرِّمُهَا الحليمُ لأنَّها … تَدَعُ القِبَاحَ لديه غيْرَ قِبَاحِ
أو لا يحلِّلها الكريمُ لأنَّها … تَحْذِي الهِدَانَ سجيَّة َ المرتاحِ
دعْ ذا وقلْ في آل شيْخٍ إنَّهم … أقصى مَطامح هِمَّة ِ الطمَّاحِ
لا تَعْدِلَنَّ بآل شيخٍ معشراً … فهمُ الشفاءُ لغُلّة ِ الملتاحِ
أعْدِدْهُمُ للنائبات فإنَّهُمْ … حَسْبُ المُعِدِّ غداة كلِّ شِيَاحِ
وافتح مغاليق الأمور بِأَيْدِهِمْ … أو كيْدِهم فكفاك من مفتاحِ
قوم يَرَوْن النُّصْحَ في أموالهم … غِشَّا فقد سَخِطُوا على النُّصَّاحِ
زُرْهم على ثقة ٍ مَزَارَ مُحَصِّلٍ … مالاً فلستَ كَضَارِبٍ بِقداحِ
واعلم بأن سَنِيحَهُمْ لك سانحٌ … أبداً وليس بريحُهُم بِمُتاحِ
فمتى أطرتَ لهم بريح عداوة ٍ … فَلَك البَريحُ وأبرحُ الأبراحِ
من معشرٍ قُرِنَ الثَّناءُ لديهُم … بالجودِ والملكاتُ بالأسجاحِ
لم يمنعوا الشاكين ريْبَ زمانهم … أُذُناً ولا سمعوا ملامة َ لاحي
يا ليت شعري حين يُمدَح مثلُهُم … ماذا تَرَاه يُراد بالتَمْداحِ
لكنهم كالمسك طاب لعينه … ويزيد حين يُخَاضُ بالمِجْدَاحِ
يُعطُون عفواً كلما أعفيتَهم … ويُلِحُّ نائلهم على الإلحاحِ
وعطاؤُهم فوق العطاء لأنهمْ … يُعطون كسْب مَناصِلٍ ورماحِ
وكأن من أعطاك كسْبَ سلاحه … أعطاك مهجته بغير سلاحِ
جاءته في تعبٍ وعُسْرة مطلب … وأتتك في دعة ٍ به وسراح
ولمَا حباك بحظه لجهالة ٍ … لكن لفضل مُمَنَّحٍ منَّاح
فمتى يُرَوْن من الشِّحاحِ على اللُّهَا … وهُمُ على الأرواح غيرُ شِحَاحِ
من بأْسهم يقع الردى وبحلمهم … تتماسك الأرواح في الأشباح
كالهُنْدوانِيات حدّ مضاربٍ … عند اخْتِبارِهِمْ ولين صِفاحِ
أضحى الورى قَيْضاهُمُ أمْحَاحُه … شتَّانَ بينْ القيْض والأمحاحِ
وبِسَيِّد الأُمراء أُنْجِحَ سعْيُهُمْ … فيما ابتغوا من ذاك أيَّ نجاحِ
للَّه أحمدُ بن شَيخ إنه … مأوَى الطريدِ ومورِدُ المُمْتَاحِ
الدهْرُ يُفْسِدُ ما استطاع وأحمدٌ … يتَتَبَّعُ الإفسادَ بالإصلاحِ
ما زال يقدَح في الدُجَى بِزِناده … حتى رأى الإمساءَ كالإصباحِ
أما النَّدى فَنَدَى غَرِير ناشيء … والرأيُ رأي مُحَنَّكٍ جَحْجَاح
فكأنَّه للأرْيحَيَّة شاربٌ … وكأنه للألْمعِيَّة ِ صاحي
ملك له قبل السؤال وبعده … بدء الجوادِ وعودة المِسماحِ
ومن الملوك ذوي المواهب من له … بدءُ الجوادِ وَعَوْدَة المِدْلاحِ
لا تَعْرِضَنَّ لغمرَة ٍ من سيْبِه … إن لَمْ تكن بطلاً من السُّبّاحِ
فالْبَرُّ يَهْلِكُ في مضيقِ فنائه … والبحرُ يغرَقُ منه في الضَّحْضَاحِ
أنذرْتُ بل بشَّرْتُ أَنَّ مقالتي … ميعادُ جِدٍّ في وعيد مُزَاحِ
ضَمِنٌ إذا حصل الوفاءُ بما وَأَى … عنْه الرجاءُ ثَنَاهُ بالإرْجَاح
ما إنْ يزال مُساجِلاً لسحائب … بعطائه ومُبَارياً لرِياح
غَرَسَ الرجالَ بسيفه واجْتَاحَهُمْ … لا فُلَّ سيفُ الغارِس المجْتَاح
سيف مَليءٌ عُرْفُهُ وَنَكِيرُهُ … بإقامة المُدَّاح والأَنْواحِ
يُحْيِي ويُهْلِك في يَدَيْ ذِي قُدْرة ٍ … وَسَمَتْهُ بالسَّفَّاح والنَّفَّاحِ
مُدَّاحُ مُعْمِل مَضْرِبَيْه بمُنْشِدٍ … حَفِلٍ وأنْواحُ العِدَا بِمَنَاحِ
فمتى اسْتَكَنُّوا مِنْ نَدَاهُ وبَأسِهِ … فالمسْتكِنُّ هُنَاكَ في قِرْواح
طُوفَانُ معْروفٍ ونُكْرٍ مانجا … أحدٌ تَعَوَّذَ منهما بِوَجَاح
فإذا تَبَسَّلَ للعِدا في مَأقِط … أبصرتَ سطْوَة َ قابض الأَرواح
وإذا أراك نَدَاهُ يوْماً زُهْدَهُ … أبصرتَ زُهْدَ مُحالِفِ الأمْساحِ
وإذا أشارَ أو ارْتأَى في خُطَّة ٍ … أبصرتَ حِكْمَة َ صاحِبِ الأَلواحِ
وإذا أراك مُزَاحَه من جِدِّهِ … أجْنَاكَ صَفْوَ ودائِعِ الأَجْبَاحِ
لِيَقُلْ عُفَاتُكَ لا جُنَاح عليهمُ … رُفِعَ الجُنَاحُ فلاتَ حينَ جناحِ
أنتَ امرؤٌ للصدقِ فيه مذاهب … سقط الجُنَاح بها عن المُداحِ
ما زالَ مَنْ يُطْرِي سواكَ مُلاَحياً … لَكِنَّ من يُطْرِيكَ غيرُ ملاحي
في مدحِ غيرك للخطيئَة ِ مُثْبِتٌ … لَكِنَّ مَدْحَكَ للخطيئة ماحي
فالباكرون على ثُنائِك إنَّما … بَكَرُوا وما شَعَرُوا على مِسْبَاحِ
كمْ عَارِضٍ رَجُلاً عليَّ مُشَبِّها … لأَمِيلَ عنْكَ إليه بِالأمْدَاحِ
رُدَّتْ نصِيحَتُهُ عَلَيْهِ فَكَافَحَتْ … أسْرَارَ جبْهَتِهِ أشدَّ كِفَاحِ
وَقَصَبْتُ صَاحبَهُ إليه كأنَّما … قَاوَمْتُهُ فيه مَقَامَ فِضَاحِ
ما قِسْتُ بَيْنُكمَا هنَاكَ ولم أكن … لأقِيسَ بين مُحمَّد وسَجَاحِ
النَّاسُ أدْهَمُ أنْتَ فيه غُرَّة ٌ … مرفوعة عن سائر الأوضاح
لا جَفَّ واديكَ المُحَلَّلُ إنه … لَمُنَاخُ أطْلاحٍ على أطلاح
إنَّ الذي يُضْحِي وأنت جَناحُهُ … في النَّائبَات لناهِضٌ بِجَنَاح
شَامَ ابْتسَامَكَ مُرْتَجُوكَ فإِنَّمَا … شَامُوا مَضَاحِكَ مُبْرقٍ لَمَّاح
ومَرَى نَوَالَكَ مُعْتَفُوكَ فإنما … حَلُّوا عَزَالي مُغدقٍ نَضَّاح