وقف الزمان فما لوعدك موعد – جبران خليل جبران
وقف الزمان فما لوعدك موعد … وعفا المكان فما لعهدك معهد
هي طلعة لك في الحياة وغيبة … كالظل إذ يبدو وإذ يتبدد
بالأمس كنت وأمس في أفق التقى … شق الحجاب فكان منك المولد
بالأمس كنت وأنت طفل لاعب … طيرا يباكر أيكه ويغرد
بالأمس كنت اليانع الفطن الذي … يشدو المعارف شدوهن وينشد
بالأمس طلابا لغايات العلى … يدنو لهمتك المرام الابعد
بالأمس مفتتح الصحافة حرة … طابت مراشفها وراق المورد
بالأمس ذودا عن الضعفاء لا … تألو جهادا والحفائظ تجهد
بالأمس وحيا خاطبا أو كاتبا … فالسمع يطرب والنهى تسترشد
بالأمس مقداما لقومك حازما … تبني لهم مغنى على وتوطد
بالأمس بذال العوارف والندى … حتى ترى لك عند كل يد يد
بالأمس موفور الهناء مباركا … في عيلة للمجد فيها مقصد
يرجو تعددك الورى بعديدها … وتقر عين الجود أن يتعددوا
بالأمس كنت وكان ذلك كله … واليوم .. لا أمس غدوت ولا غد
أليوم من شاء الحكيم المفتدى … فينا ومن شاء الزعيم السيد
أليوم لا توما ولا كتب ولا … خطب ولا مدح إليه تردد
أليوم لا جدوى ولا مجد ولا … دار تؤممها العفاة فتسعد
أليوم لا رجل يقال هو الفتى … وحمى يشار إليه هذا المرفد
أليوم إن جار الزمان فجائر … ذهب الذي بجنابه يستنجد
أليوم إن يدع الصديق صديقه … صم الندى والبر أعشى أرمد
مات النقي خفاؤه وظهوره … مات الوفي مغيبه والمشهد
في غربة كالقفر لم يلمم به … سكن هناك ولم يعده العود
إفيان أني خنت لائذا … فتركته تحت المباضع يقصد
وافاك يستشفي بماء نافع … فاعدته لحماه ميتا يلحد
لكن جاز الغرب جار غروبه … ناهيك وهو من المشارق فرقد
فدح المصاب ولا اعتراض فإنه … حكم القدير وهل لنا فيه يد
يا رب سلمنا وإن فطرت أسى … منا حشاشات وشقت أكبد
صرف قضاءك في العباد فإنهم … ركب الفناء وأنت أنت السرمد
ألشمس طالعة بفضلك تنجلي … والشمس غاربة لعدلك تسجد