وفى الربيع – محمد مهدي الجواهري
غَدرَ الصِبا وَوَفى الربيعُ لريفِه … شتانَ بين أليفنا وأليفِه
عادت لتفويفِ الصبا أزهارهُ … أترى صبايَ يعود في تفويفه
سقياً لشرقيِّ الرُصافة اذ صَفَا … عيشٌ بمرتَبَع الهَوى ومَصيفه
من سفح دجلةَ حين رق نسيمهُ … سَحَراً وراقت دانيات قُطوفه
أحبابَنا في الكرخ هل من زورةٍ … لنَحيل جسم بالفراق نحيفه
أهوَى لأجلكُمُ العراقَ فمُنيتي … في قُربكم لاخصبِه أو ريفه
لي فيكُمُ قَمرٌ يُهيُّجني له … ان البِعادَ يَروعُنى بخُسوفه
ومسجفٌ لو لم يُحَجَّبْ كانَ مِن … زفراتِ أنفاسي بمثل سُجوفه
متنقلُ الأوفياء شْيَّعَ ركبَه … نَفسَي يُناطُ بسَيره ووُقوفه
يَلوي الوعودَ فلا تُزَرُّ جيوبهُ … إلاّ على نزْرِ الوفاء ضعيفه
ما الطيرُ حامَ على الغدير فراعَه … وحشٌ فظَّل يحوطهُ برفيفه
ظمآنَ لاوِردٌ سواه فَينثنى … عنه ولا يسطيع خوض مَخوفه
يوماً باولعَ من فؤادي إذ نأوا … عنه بمجدولِ القَوام رهيفه
لا تُنكروا قلبي الخَفوقَ فانما … هي مهجةٌ قد عُلِّقت بشُفوفه
ما هاجَ قلبَ الصبِّ الا الصدغُ في … تشويشَه والشَعرُ في تصفيفه
أرَّقْتَ طَرْفاً لم تَرِقَّ لقَرحه … وأخَفْتَ قلباً لم تُرَع لحفيفه
الله يشهدُ أنني القىَ الهوى … بلسانِ فاسقِه وقلبِ عفيفه
اني وإن كانَ التصابي هفوةً … مني وكم ساع لجلبِ حُتوفه
لأحِنُّ للعهد القديم صبابةً … كحنين إلفٍ نازحٍ لأليفه
ولئن سلوتُ ففي التهاني سلوةٌ … ” بمحمد ” صَفْوِ الندى وحليفه
يابن ” الحسينِ” وانت تخلُف ذكرَه … أكرمْ بمخلوف مضى وخليفه
سرَّت ثراه بروقُ عرسِك فاغتدت … عنه وذكر هناكَ أُنسُ مخوفه
بك في ” العلي ” عن ” الحسينِ ” تصبرٌ … بممجدٍّ ثبتِ الجِنان رؤوفه
لا تُجهدنَّ الشعر يا نَظامَه … فصفاتُه تُغنيك عن تَوصيفه
جَمَّ النَدى أنساه عن عثراتهِ … في الجودِ بذلُ مئاتهِ وألوفه
طَرِبٌ يُغَنِّنيه سَميرُ ضيوفه … لا ” معبدٌ ” بثقيلِه وخفيفه
شَيِمٌ أنافَ تليدُها لطريفها … فسما بها بتليده وطريفه
يابنَ النبيِّ وتلك أشرفُ نسبةً … ومُضافُ مجدٍ ينتمى لمُضيفه
لم يُرغَم الحسّادُ الا مفخراً … أغناهُم التنزيل ُ عن تحريفه
شَرَفٌ محلّ الشهب دونَ مَحلِّه … ومُنيفُ بُرجِ الشمسِ دون مُنيفه
بيت به طاف العُفاةُ ففضلهُ … باد كفضل البيت في تَطويفه
يَغديكَ من ضربَت به المثلَ الورى … نُجلاً فقُرصُ الشمس قُرصُ رغيفه
سَحَّت عطاياه فما من ناظرٍ … الاتمنىَّ الطيفَ من مَعروفه
لو رام يمحو البخل عنه مُدافعٌ … عكفت طبيعتُه على تعنيفه
ويقولُ إن قالوا تصرف درهمٌ … ليت الجمودَ عَداهُ عن تصريفه
ولقد أراكَ ولليراعةِ مَرحٌ … في القول بين غريبِه ولطيفه
قَلَمٌ سقاهُ فيضُ كفِّك فالتقَت … بيضُ الأماني بين سودِ حُروفه
لدنٌ إذا ما الدهرُ جّد فهزَّة … في طِرسه تكفيكَ ردَّ صُروفه
ما جال في جَلبَات طِرسِكَ سابقاً … الا وجاءَ من النَدى برديفه
كم مُشكلٍ مُستَنبَط بدقيقهِ … وسمينِ خطبٍ مُذعنٍ لعجيفه
كالسيلِ في تحديرهِ والسيفِ في … تطبيقِه والرُمحِ في تثقيفه
وكأنه بين السُّطور مدِّبرٌ … للجيش اعَجَبه انتظامُ صُفوفه
معروفُ شعري في مديح محمدٍ … أزْرَت بدائعُه على ” معروفه “
نَفَسٌ شأى نَفَسَ الكهول وإنما … ظَرْفُ الشباب يلوحُ في تفويفه
وقصائدٍ رَّقتْ فكان مدبُّها … كالخمر من ثَمِل القَوام نزيفه
أسِفَ الحسودُ بما علون وان أعِشْ … لأطَولنَّ بهن حزنَ أسيفه
إن زِينَ قومٌ بالقصيد فانني … باسمي يزانُ الشعرُ في تعريفه
دمتُم ودام المجد في تشريفه … جُوداً ، ودامَ الفضلُ في تأليفه