وداع وما يغني الوداع من الوجد – إبراهيم اليازجي

وداع وما يغني الوداع من الوجد … ولكنه زاد المشوق على البعد

وما هي إلا وقفة عند فائت … تمازج فيها مطعما الصاب والشهد

نثبط أخفاق المطي استزاده … للحظة عين قبل منقطع العهد

كأن لم يكن دهر الوصال الذي مضى … ولم نتمل الصفو في عيشه الرغد

نفكر في ترك المغاني ومن يلي … بموضعنا أن جدت العيس في الوخد

مغان قضينا في حماها ليالياً … من الدهر عزت أن تجدد من بعد

أرق حواش من برود نسيمها … وأعذب مما في النسيم من البرد

وأصفى من الماء القراح إذا جرى … يسيل على وجه الصفا طيب الورد

فيا لك أياماً تقضي نعيمها … كما يتقضى الحلم في غفلة الرقد

إلا عللاني ساعة باذكارها … ولا تصحياني أن سكرت من الوجد

فكم من منى دانت لدينا وقد دنت … بكل رواق وارف الظل ممتد

أويقات ورق الروض من جلسائنا … واكؤسنا ثغر الشقائق والورد

تظللنا بيض السحائب في الضحى … ويشملنا عرف النسائم في برد

وتنثر كف النهر بالدر فوقنا … ونحن من الزهر النضير على مهد

كذلك كنا ثم بنا وقبلنا … نبت بأبينا آدم جنة الخلد

كذلك شأن الدهر في كل معشر … ينيم مآقيهم وعيناه في الرصد

وأن قصارى الأمر ما شاءه القضا … فكل بصير عنده ضائع الرشد

أردد شجوي بالوداع صبابة … وهيهات ترديد الصبابة ما يجدي

ومن عجب أني أطارح صبوتي … روابي صماً لا تعيد ولا تبدي

بلى ما عدت حالي فكل رباوة … وقد بهتت للبين سامدة الفند

تداعت بها الغربان تهتف بالنوى … فصدق فيما رده هضمها المعبد

ومر نسيم في الخمائل مخبراً … فململ منها معطف البان والرند

وهبت حمامات الرياض فرددت … حنين الثكالي فوق أغصانها الملد

لئن طاب هذا الشيق نفساً ببعدنا … فإن فؤاد الغور أحفظ للود

ستنهل منه كل عين الذكرنا … بدمع جرى من مهجة الحجر الصلد

وتبدي رياض الزهر في كل غدوة … نواصي شعثاً لحن في الشعر الجعد

وتغدو غمامات الضحى بعد بيننا … بردن ندي واكف الهدب منقد

وتذكرنا هذي الديار وأهلها … إذا افتقدنا مقدم الوفد فالوفد

وتعجب هذي الأرض بعد براحنا … إذا التمستنا من صدى الغور والنجد

تمتع قبيل الظعن من روضها الندى … ومن عرفها الشافي ومن مائها العد

فعما قليل أنت في متن سابح … توقل في هضب وتهبط في وهد

ورب يسير يحسب الحط كله … إذا لم تجد فيه سبيلاً إلى الرد