وحدة الشاعر – عبدالله البردوني
حلم الآتي و ذكرى الغابر ... مسرح الشعر و دنيا الشاعر
ذكريات الأمس تغريه كما ... يفتن المهجور طيف الهاجر
و الغد المأمول في أشواقه ... صورة من كلّ حسن باهر
صورة كالوعد من أحلى فم ... كابتسامات اللّقاء العاصر
و كعيني طفلة ترنو إلى ... مقلتي طفل كسول الناظر
عالم الشاعر ذكرى و منى ... و حنين كالجحيم الهادر
يقطف الأحلام و الذكرى كما ... يقطف العنقود كفّ العاصر
أيّ ذكر ؟ أيّ شوق عادني ... فإذا قلبي جناحا طائر
و إذا الدنيا بكفّي معزف ... ساحر في كفّ شاد ماهر
تارة أشدو و أصغي تارة ... لروايات الزمان الساخر
فيقصّ الدهر من دنيا أبي ... ذكرا تخجل وجه الذاكر
و أنا أحمل ذكراه ... كما ... يحمل المظلوم سوط الجائر
و أغنّي عزّ أجدادي الأولى ... فخروا بالعجز فخر لاقادر
و من الأجداد ؟ ما شرعتهم ؟ ... شرعة الوحش الغبيّ الكاسر
و مخازيهم تراث خالد ... ورثوه كابرا عن كابر
كيف أنسى الأمس و اليوم ابنه ... و الغد الآتي وليد الحاضر
و أنا ابن الشعر قلبي عالم ... من حنين و حنان غامر
ترتمي الأدهار حولي مثلما ... يرتمي موج العباب المآثر
والدنا في عزلتي هائمة ... كهوى " ليلى " و طيف " العامري "
وحدتي صمت يغني ورؤى من ... عصا " موسى " و عجل " السامري "
من شذوذ الطفل من زهو الفتى ... من أسى الشيخ الفقير العاثر
من خيالات الشياطين و من ... حكمة الرسل ودجل الساحر
من ضراعات المساكين و من ... خيلاء المستبد القاهر
من هوى التاجر في الربح و من ... شبح الإفلاس حول التاجر
من شكاوى عاشق يمشي على ... قلبه نحو الحبيب ... نافر
وحدتي وحي و دنيا من هدى ... و ضلال ويقين حائر
و حنان وانتظار خائف ... ورجاء كابتسام الغادر
وهوى يضحك للطيف كما ... يضحك الروض لعين الزائر
وحدتي أرجوحة من فكر ... دائرات كالشروق الدائر
و بنات الفنّ حولي زمر ... كرياحين الربيع الزاهر
و أنا كالراغب المحروم في ... موكب الغيد المثير السافر
أشتهي تلك فتدنو أختها ... من يديّ كالأبيّ الصاغر
حلوة تدنو و تخفى حلوة ... كالسنى خلف الظلام العاكر
هذه تعطي و لا أسألها ... و أناجي تلك نجوى الخاسر
و لعوب أجتدي نفحتها ... و هي تأبى خاطري
و عدها يبعث ذكرى " حاتم " ... ووفاها صورة من " مادر "
كم تناديني فتغري لوعتي ... و تولّى كالحبيب ... الماكر
و الدجى مقبرة تغفو على ... حلم النعش و نوح القابر
قلق الصمت كرؤيا مومس ... هجعت بين ذراعي فاجر
كأماني ظالم يرنو إلى ... مقلتيه شبح من ثائر
خائف يسري و في أعطافه ... صلف الطاغي وتيه الكافر
و تضيع الشهب في موكبه ... كخيالات المريض الساهر
ودخان الحقد في أهدابه ... كالخطايا فوق عرض عاهر
يخطر الشيطان فيه و على ... شفتيه قهقهات الظافر
و خفوق الصمت ينبي أنّ في ... سرّه ضوضاء زحف طافر
و الرؤى تشتفّ من خلف الربى ... مطلع اليوم الهتوف الزاخر
و تبثّ الغيب شكوى توبة ... تتشهّى بسمة من غافر
و أنا وحدي أناغي هاتفا ... من فم الوحي الشذيّ الطاهر
و هدوء الكوخ يستفسرني ... هل أغنّي للفراغ السادر ؟
قلت إنّي شاعر ، في وحدتي ... ألف دنيا من طيوف الشاعر
لا يوجد تعليقات حالياً