وارحمتاه لقوم فارقوا النعما – جبران خليل جبران

وارحمتاه لقوم فارقوا النعما … من غير ذنب لهم واستقبلوا النقما

ولاة أرزاقهم ولو فما رجعوا … وغادروهم عراة جوعا هضما

شيوخهم وعذاراهم وصبيتهم … ذاقوا جميعا فطام القهر واليتمائ

فلو ترقبهم مستطلع لرأي … اشلاء حزن مشظة بكل حمى

مكدسين جماعات على علل … مستوطنين بيوتا تشبه الرجما

مستضعفين ثكالى لا قرار لهم … ولا يلاقون إلا البؤس والسقما

لولا بشاشة إيمان تثبتهم … تخيروا دون تلك العيشة العدما

ما حال أم لها طفل بجانبها … غير المدامع في يوميه ما طعما

ورضع وجدوا الأثداء لاذعة … كالجمر فانفطموا واستنكروا الحلما

وغانيات اباحتها الخطوب فلو … لم تعصم النفس ساء الفقر معتصما

وعاجزين إذا الحاجات ثرن بههم … عاقت قيود الليالي منهم الهمما

أشباه موتى سوى رؤيا تروعهم … ورائعات الروى لا تبعث الرمما

أولئكم أهل من جادوا بأنفسهم … وخلفوهم على أوطانهم ذمما

شكوا إلى مصر ما عانوه فاستمعت … ومن شكا فدعا مصرا دعا الكرما

جادت بما أخجل التيار مندفقا … والسحب هاطلة والغيث منسجما

لله در بنيها السخياء فهم … إذا انبروا للندى بزوا به المما

عباس قدوتهم فيه وهم تبع … كلاراس والجسم نعم الصاحبان هما

رعى الإله مليكا جل بغيته … أن يعلي الحقا أن يكشف الغمما

إذاتعاظمت الجلى فنائله … تراه فوق مرامي الفضل قد عظما

وكافأ الحمد أم المحسنين بما … أولت فأغلت فراع العرب والعجما

ألقت على الدهر ذكرا من عوارفها … يعطر الكون والأرواح والنسما

هي المروءة تعطي والوفاء يفي … ورسمها السعد محجوبا ومبتسما

عاشت وقت بنجليها وأمتها … وبالسرورين مبذولا ومغتنما

ولتحي مصر فما زالت كما عهدت … كهفا لقاصدها غوثا لمن أزما

تناولت كل ملهوف برحمتها … والله يرحم في الدارين من رحما