هو البينُ حتَّى لاسلامٌ ولا ردُّ – محمود سامي البارودي

هو البينُ حتَّى لاسلامٌ ولا ردُّ … ولا نظرة ٌ يقضى بها حقَّهُ الوجدُ

لقد نعبَ الوابور بالبينِ بينهم … فساروا ، ولازمُّوا جمالاً ، ولا شدُّوا

سَرَى بِهِمُ سَيْرَ الْغَمَامِ، كَأَنَّمَا … لهُ في تنائى كلِّ ذى خلَّة ٍ قصدِ

فلا عينَ إلاَّ وهى عينٌ منَ البكى … وَلاَ خَدَّ إِلاَّ لِلدُّمُوعِ بِهِ خَدُّ

فَيَا سَعْدُ، حَدِّثْنِي بِأَخْبَارِ مَنْ مَضَى … فَأَنْتَ خَبِيرٌ بِالأَحَادِيثِ يَا سَعْدُ

لعلَّ حديثَ الشوقِ يطفئُ لوعة ً … مِنَ الْوَجْدِ، أَوْ يَقْضِي بِصَاحِبهِ الْفَقْدُ

هُوَ النَّارُ في الأَحْشَاءِ، لَكِنْ لِوَقْعِها … على كبدى ممَّا ألذُّ بهِ بردُ

لعمرُ المغانى وهى عندِى عزيزة ٌ … بِسَاكِنِهَا مَا شَاقَنِي بَعْدَهَا عَهْدُ

لَكَانَتْ وَفِيهَا مَا تَرَى عَيْنُ نَاظِرٍ … وَأَمْسَتْ وَمَا فِيهَا لِغَيْرِ الأَسَى وَفْدُ

خلاءٌ منَ الأُلاَّفِ إلاَّعصابة ً … حداهم إلى عرفانها أملٌ فردُ

دعتهم إليها نفحة ٌ عنبريَّة ٌ … وبالنَّفحة ِ الحسناءِ قد يُعرَفُ الوردُ

وَقَفْنَا فَسَلَّمْنَا، فَرَدَّتْ بِأَلْسُنٍ … صوامتَ ، إلاَّ أنَّها أَلسنٌ لُدُّ

فمن مقلة ٍ عبرى ، ومن لفحِ زفرة ٍ … لها شررٌ بينَ الحشا ما لهُ زندُ

فيا قلبُ صبراً إن ألمَّ بكَ النَّوى … فَكُلُّ فِراقٍ أَوْ تَلاقٍ لَهُ حَدُّ

فَقَدْ يُشْعَبُ الإِلْفَانِ أَدْنَاهُمَا الْهَوَى … ويَلْتَئِمُ الضِّدَّانِ أَقْصَاهُمَا الْحِقْدُ

عَلَى هَذِهِ تَجْرِي اللَّيَالِي بِحُكْمِهَا … فَآوِنَة ً قُرْبٌ، وَآوِنَة ً بُعْدُ

وما كُنْتُ لَوْلاَ الْحُبُّ أَخْضَعُ لِلَّتِي … تسئُ ، ولكنَّ الفتى للهوى عبدُ

فَعُودِيَ صُلْبٌ لاَ يَلِينُ لغَامِزٍ … وقَلْبِيَ سَيْفٌ لاَ يُفَلُّ لَهُ حَدُّ

إِباءٌ كَمَا شَاءَ الْفَخَارُ وَصَبْوَة ٌ … يذِلُّ لها فى خيسهِ الأسدُ الوردُ

وَإِنَّا أُنَاسٌ لَيْسَ فِينَا مَعَابَة ٌ … سِوَى أَنَّ وادِينَا بِحُكْمِ الْهَوَى نَجْدُ

نلينُوإن كنَّا أشدَّاءَللهوى … وَنَغْضَبُ في شَرْوَى نَقِيرٍ فَنَشْتَدُّ

وحسبكَ منَّا شيمة ٌ عربيَّة ٌ … هِيَ الخَمْرُ مَا لَمْ يَأْتِ مِنْ دُونِها حَرْدُ

وبى ظمأٌ لم يبلغِ الماءُ رِيَّهُ … وفى النَّفسِ أمرٌ ليسَ يدركهُ الجهدُ

أَوَدُّ وما وُدُّ امْرِىء ٍ نافِعاً لَهُ … وإن كانَ ذا عقلٍ إذا لم يكن جدُّ

وَمَا بِيَ مِنْ فَقْرٍ لِدُنْيَا، وإِنَّمَا … طِلاَبُ الْعُلاَ مَجْدٌ، وإِنْ كَانَ لِي مَجْدُ

وَكَمْ مِنْ يَدٍ للَّهِ عِنْدِي ونِعْمَة ٍ … يَعَضُّ عَلَيْهَا كَفَّهُ الْحَاسِدُ الْوَغْدُ

أنا المرءُ لا يطغيهِ عزٌّ لثروة ٌ … أَصَابَ، وَلاَ يُلْوِي بِأَخْلاقِهِ الْكَدُّ

أصدُّ عنِ الموفورِ يدركهُ الخنا … وأقنعُ بالميسورِ يعقبهُ الحمدُ

وَمَنْ كَانَ ذَا نَفسٍ كَنَفْسِي تَصَدَّعَتْ … لعزَّتهِ الدنيا ، وذلَّت لهُ الأُسدُ

ومن شيمى حبُّ الوفاءِ سجيَّة ً … وما خَيْرُ قَلْبٍ لاَ يَدُومُ لَهُ عَهْدُ؟

ولكنَّ إخواناً بمصرَ ورفقة ً … نسونا ، فلا عهدٌ لديهم ، ولا وعدُ

أَحِنُّ لَهُمْ شَوْقاً، عَلَى أَنَّ دُونَنَا … مهامهَ تعيا دونَ أقربها الربدُ

فَيا ساكِنِي الْفُسْطَاطِ ما بالُ كُتْبِنَا … ثوت عندكم شهراً وليسَ لها ردُّ ؟

أفى الحقِّ أنَّا ذاكرونَ لعهدكم … وأَنْتُمْ عَلَيْنَا لَيْسَ يَعْطِفُكُمْ وُدُّ؟

فلا ضَيْرَ، إِنَّ اللَّه يُعْقِبُ عَوْدَة ً … يَهُونُ لَهَا بَعْدَ الْمُوَاصَلَة ِ الصَّدُّ

جَزَى اللَّهُ خَيْراً مَنْ جَزانِي بِمِثْلِهِ … عَلَى شُقَّة ٍ غَزْرُ الْحَيَاة ِ بها ثَمْدُ

أَبِيْتُ لذِكْرَاكُمْ بها مُتَمَلْمِلاً … كَأَنِّي سَلِيمٌ، أَوْ مَشَتْ نَحْوَهُ الْوِرْدُ

فلا تحسبونى غافلاً عن ودادكم … رويداً ، فما فى مهجتى حجرٌ صلدُ

هُوَ الْحُبُّ لا يَثْنِيهِ نَأْيٌ، ورُبَّمَا … تَأَرَّجَ مِنْ مَسِّ الضِّرامِ لَهُ النَّدُّ

نَأَتْ بِيَ عَنْكُمْ غُرْبَة ٌ وتَجَهَّمَتْ … بِوَجْهِيَ أَيَّامٌ خَلائِقُهَا نُكْدُ

أدورُ بعينى لا أرى غيرَ أُمَّة ٍ … مِنَ الرُّوسِ بِالْبَلْقَانِ يُخْطِئُهَا الْعَدُّ

جواثٍ على هام الجبالِ لغارة ٍ … يطير بها ضوءُ الصَّباحِ إذا يبدو

إذا نحنُ سرنا صرَّحَ الشَّرُّ باسمهِ … وَصَاحَ الْقَنَا بالْمَوْتِ، واسْتَقْتَلَ الجندُ

فَأَنْتَ تَرَى بيْنَ الْفَرِيقَيْنِ كَبَّة ً … يُحَدِّثُ فيها نَفْسَهُ الْبَطَلُ الْجَعْدُ

عَلَى الأَرْضِ مِنْها بالدِّماءِ جَدَاوِلٌ … وَفَوْقَ سَرَاة ِ النَّجْمِ مِنْ نَقْعِهَا لِبْدُ

إِذَا اشْتَبَكُوا، أَوْ راجَعُوا الزَّحْفَ خِلْتَهُمْ … بُحُوراً تَوَالَى بَيْنَها الْجَزْرُ والْمَدُّ

نشلُّهمُ شلَّ العطاشِ ونت بها … مُرَاغَمَة ُ السُّقْيَا، وَمَاطَلَهَا الْوِرْدُ

فَهُمْ بَيْنَ مَقْتُولٍ طَرِيحٍ، وهَارِبٍ … طليح ٍ، ومأسورٍ يجاذبهُ القدُّ

نروحُ إلى الشُّورى إذا أقبلَ الدُّجى … ونَغْدُو عَلَيْهِمْ بالْمَنَايَا إِذَا نَغْدُو

ونقعٍ كلجِّ البحرِ خضتُ غمارهُ … ولا مَعْقِلٌ إِلاَّ الْمَنَاصِلُ والْجُرْدُ

صَبَرْتُ لَهُ والْمَوْتُ يَحْمَرُّ تَارَة ً … وَيَنْغَلُّ طَوْراً في الْعَجَاجِ فَيَسْوَدُّ

فَمَا كُنْتُ إِلاَّ اللَّيْثَ أَنْهَضَهُ الطَّوَى … ومَا كُنْتُ إِلاَّ السَّيْفَ فَارَقَهُ الْغِمْدُ

صَئُولٌ ولِلأَبْطَالِ هَمْسٌ مِنَ الْوَنَى … ضروبٌ وقلبُ القرنِ فى صدرهِ يعدو

فما مُهْجَة ٌ إِلاَّ وَرُمْحِي ضَمِيرُهَا … ولا لَبَّة ٌ إِلاَّ وسَيْفِي لَهَا عِقْدُ

وَمَا كُلُّ ساعٍ بَالِغٌ سُؤْلَ نَفْسِهِ … ولا كلُّ طلاَّبٍ يصاحبهُ الرشدُ

إِذَا الْقَلْبُ لَمْ يَنْصُرْكِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ … فَمَا السَّيْفُ إِلاَّ آلَة ٌ حَمْلُهَا إِدُّ

إذا كانَ عقبى كلِّ شئٍ وإن زكا … فناء ، فمكروهُ الفناءِ هو الخلدُ

وتخليدُ ذكرِ المرءِ بعدَ وفاتهِ … حَيَاة ٌ لَهُ، لا مَوْتَ يَلْحَقُها بَعْدُ

فَفِيمَ يَخَافُ الْمَرْءُ سَوْرَة َ يَوْمِهِ … وفى غدهِ ما ليسَ من وقعهِ بدُّ

لِيَضْنَ بِيَ الْحُسَّادُ غَيْظاً، فَإِنَّنِي … لآنافهم رغمٌ وأكبادهِم وقدُ

أَنَا القَائِلُ الْمَحْمُودُ مِنْ غَيْرِ سُبَّة ٍ … ومن شيمة الفضلِ العداوة ُ والضدُّ

فَقَدْ يَحْسُدُ الْمَرْءُ ابْنَهُ وَهْوَ نَفْسُهُ … وربَّ سوارٍ ضاقَ عن حملهِ العضدُ

فلا زلتُ محسوداً على المجدِ والعلا … فليسَ بمحسودٍ فتى ً ولهُ ندُّ

كلمات: ابراهيم خفاجي

ألحان: طلال مداح

1985