هوَّنَ باللَّيلِ عليها الغررا – مهيار الديلمي

هوَّنَ باللَّيلِ عليها الغررا … أنَّ العلا مقيداتٌ بالسَّرى

فركَّبتْ بسوقها رءوسها … حتى تخيلنا الحجولَ الغررا

تحسبها عجرفة ً وورهاً … فيما ترى خابطة ً ليستْ ترى

تنضى النَّهارُ شملة ً جونيَّة ً … وتلبسُ اللَّيلَ رداءً أخضرا

ترى بما تجهضُ منْ سخالها … لحماً مضيغاً ودماءً هدرا

علَّمها النَّومُ على رباطها … ذليلة ً أنْ تستطيبَ السَّهرا

كلُّ ابنِ ذاتِ أربعٍ تحسبهُ … ذاتَ جناحينِ إذا تمطَّرا

ينتشرُ الأرضَ فلا يردعه … كيفَ طواها عنقاً أو حضرا

يرى الظَّلامَ بشهابيْ قابسٍ … لا يستميحانِ النُّجومَ خبرا

تكارها شمسَ الضُّحى وأقسما … على الدُّجى لا يصحبانِ القمرا

إنْ غابَ شخصُ مقلتيهِ أبصرتْ … أذناهُ هلْ خبِّرتَ سمعاً بصرا

يلهبُ قرعُ السُّوطِ منهُ مرجلاً … يجيشُ صدراً ويجيشُ منخرا

يعطي الشَّكيمَ ساءهُ أو سرَّهُ … لحياً أبيَّاً أو عذاراً أصعرا

يظما فلا يشرعُ مسبوقاً على … صافية ٍ ولو تكونُ الكوثرا

عافَ البقايا أنَّهُ منتتجٌ … في معشرٍ لا يشربونَ السُّؤرا

يأنفُ منْ ماءِ الزكيِِّ أنَّهُ … في الأرضِ أو تسقي السَّماءُ المطرا

كالنَّجمِ في نهارهِ وليلهِ … إما ارتفاعا سارَ أو منحدرا

ذلكَ دأبُ ربَّهِ ودأبهُ … ما استقدما فشاورا التَّأخرا

إذا أصابا وطراً من العلا … فذاكَ أو فيبلغانِ العذرا

للهِ مفطورٌ على سوددهِ … إذا رأى العجزَ غماراً شمَّرا

يصرفُ عنْ بيتِ الهوانِ وجههُ … وإن ضفتْ أفياؤهُ وخضرا

يريهِ صدرَ اليومِ ما في غدهِ … رأيٌّ إذا الرأيُ أصرَّ أبصرا

يأوي إلى بديهة ٍ في عزمهِ … تطلعهُ قبلَ الورودِ الصَّدرا

تنصرهُ الوثبة ُ في أوانها … إذا الهوينى خانتِ المنتظرا

لا يعلقُ الأعداءُ في أتباعهِ … بعينهِ فيعظمونَ الأثرا

وكلُّ منْ قصَّرَ عن عدوهِ … أعظمهُ ضرورة ً لا خيرا

كاللَّيثِ يقلى وهو يطرى أو كما … نافقَ أعداءٌ وزيرَ الوزرا

قادحهمْ ففازهمْ أروعُ ما … قامرَ في العلياءِ إلاَّ قمرا

مقلِّبٌ جانبهُ وحظُّهُ … من السُّعودِ سفراً أو حضرا

تواصتِ الأقدارُ أنْ تمضي على … تدبيرهِ جارية ً كما جرى

وغيرهُ والنُّقصُ حظُّ غيرهِ … إنْ أحمدَ الآراءَ ذمَّ القدرا

عضَّ العدا أظافراً منْ بعدهِ … تدمى ولمْ ترزقْ عليها الظَّفرا

ولمْ يكنْ من شرفِ الدِّينِ لمنْ … يندمُ إلاَّ أنْ يعضَّ الحجرا

ولا لدارٍ فاتها ودولة ٍ … منهُ سوى أنْ أقويا وأقفرا

أبصرها بلهاءَ جاهليَّة ً … ذاتَ فسوقٍ لا تخافُ النُّذرا

مجنونة َ الودادِ إما عاهدتْ … لمْ يكُ إلاَّ الغدرَ والتغيُّرا

أشهى خليليها إليها خلَّة ً … منْ كانَ أدمى همَّة ً وأحقرا

تكيلُ بالجورِ إذا ناصفها … وتنبذُ العرفَ تراهُ منكرا

نافرة ً منْ ذي اليمينِ إذا … قوَّدها حتى تطيعَ الأبترا

فردَّها بالعتبِ ردَّ ناقدٍ … غالطَ فيها النَّفسَ حتى استبصرا

ألقى على غاربها حبالها … منْ بعدِ ما متَّعها وأمهرا

على أوانَ شوَّهتْ وعُنِّستْ … وسُلبتْ جمالها والخفرا

تناحلوها شرهاً وزاحموا … عجزاً شفيرَ جرفها المهوَّرا

فطرَّفوا منها بشلوٍ ميِّتٍ … وأكثروا فيهِ الجدالَ والمرا

مرَّ وولاَّهمْ رزايا سرحها … يدَّبرونَ منهُ أمراً مدبَّرا

يا ليتَ شعرَ الملكِ منْ عذيرهُ … بعدكِ مما جرَّ عجزُ السُّفرا

ودولة ٍ أسلمها عميدها … كيفَ يظنُّ كسرها أنْ يجبرا

وهلْ لها أنْ تستوي قائمة ً … ما لمْ تجدكَ النَّاعمَ المقدَّرا

وكيفَ يرجى عندَ ذؤبانِ الغضا … في الغيلِ أنْ تحمي حمى أسدِ الشِّرى

خطوتها مستقدماً أمامها … لمَّا رأيتَ خطوها إلى ورا

نجَّاكَ منها أنْ ترى مهتصراً … بغمرة ٍ حاشاكَ أو مقتسرا

يدٌ علتْ عن أن يكونَ فوقها … يدٌ ونفسٌ لا تطيعُ الأمرا

ونخوة ٌ سيماءُ فارسيَّة ٌ … شمَّاءُ لا تعطى الخزامَ منخرا

أفدتها كفاية ً جامعة ً … منها وظلاً فوقها منتشرا

فهي إذا ذكرتْ مع خطَّابها … تقولُ كلُّ الصَّيدِ في جوفِ الفرا

غداً تلظَّى تشتكي أوامها … إلى الفراتِ وهي تسقى الكدرا

واضعة ً جبينها لموسمِ الذُّ … لِّ وخديَّها جميعاً للثرى

قد غمزَ الأغمارُ في صعدتها … فهي تداعى خطلاً وخورا

حتى تلوذَ تستغيثَ ربَّها … منكَ وترجو ذنبها أنْ يغفرا

ويأخذُ الدَّهرُ بناصيتها … سوقاً فيأتيكَ بها معتذرا

قدْ أدَّبتهُ لكمُ جهلاتهُ … فيكمْ وإنْ جرَّبَ قوماً أخرا

جرياً على العادة في استصراخهِ … بعفوكمْ إذا هفا أو عثرا

فاستقبلوا منها مريرا قد حلا … لمجتنيكمْ وسقيماً قدْ برا

أصلحتمُ ببعدكمْ فسادها … والجرحُ لا يدملُ حتى يسبرا

وكلّ محبوبٍ إذا الوصلُ طغى … يوماً بهِ فظنُّهُ أنْ يهجرا

وزارة ٌ كمْ قدْ قدحتُ زندها … فيكمْ وكمْ قمتُ بها مبشِّرا

فلمْ تكذّبْ قطُ لي عائفة ٌ … فيها ولا خيِّبَ فألٌ زجرا

قدْ ثبتَ المعجزُ لي في صدقها … منْ طولِ ما صحَّ وتكرَّرا

كالوحي لو أنَّي خلقتُ ملكاً … طرتُ بهِ لكنْ خلقتُ بشرا

فانتظروها إنَّما ميعادها … غدٌ ويا قربَ غدٍ منتظرا

فعندها يبردُ حرُّ أضلعٍ … يوقدُ شوقي بينهنَّ شررا

وعندها يحلو بعيني وفمي … ما قدْ أمرَّ الماءُ عذباً والكرى

ويكمدُ الحاسدُ والشَّامتُ بي … بفرطِ ما قدْ أكلاني أشرا

كاشفني بعدكمُ بغلِّهِ … منْ كانَ يخشى جانبي مستترا

وكلُّ جبسٍ يدهُ ووجههُ … منْ حجرٍ يلقمُ منِّي حجرا

واجهَ بالعصيانِ فيَّ أمركمْ … والدَّهرُ لا يعصيكمُ لو أمرا

كنتُ لهُ ذريعة ً إليكمُ … وكنتمْ بالعلجِ مني أبصرا

فجنِّبوني عفوكمْ عنهُ غداً … أكنْ لكمْ منهُ ولي منتصرا

يا عشبَ أرضي وسماءَ روضتي … ودارَ أمني يومَ أرعى الحذرا

ومنْ إذا عرِّيَ من ظلِّهمْ … ظهري فقدْ ألقيتُ شلواً بالعرا

قدْ أكلتنا بعدكمْ فاغرة ٌ … أنيابها قبلَ العضاضِ جزرا

لمْ يتأسَّ بنتاجٍ إذا أتتْ … ضيفٌ ولمْ توقدْ لها نارُ القرى

تعترقُ العظمَ كما تسترطُ الل … حمَ وجلَّتْ أن تحصَّ الوبرا

فنظراً وإنْ نأتِ داركمُ … وأرشدوا لمنْ يقولُ نظرا

يا فرحة ً يومَ أرى رايتكمْ … تلاوذُ الرِّيحَ تؤمُّ العسكرا

ونشرَ أيديكمْ وأعراضكمْ … بالزَّابِ يلقاني وشاطى عكبرا

والأمرُ فيكمْ؛ لا يطاعُ لقبٌ … زورٌ ولا يراقبُ اسمُ مفترى

لا غروَ إنْ كفيتها مستوزرا … بالأمسِ أنْ تكفيها مؤمَّرا

آملها وكيفَ لا يأملُ أنْ … يراكَ شمساً منْ رآكَ قمرا

أنا الذي لو سجدَ النَّجمُ لكمْ … ما كنتُ مرتاباً ولا مستنكرا

ولو مسحتمْ زحلاً ببوعكمْ … رجوتُ بعدُ لعلاكمْ مظهرا

أقذيتُ أبصارَ العدا بمدحكمْ … فساوروني أحوصاً وأخزرا

ولمْ أراعِ فيكمْ تقيَّة ً … منْ كبدٍ غيظتْ وصدرٍ أوغرا

على سبيلي في موالاتكمْ … أمرَّ فرداً لا أخافُ الخطرا

وقاطناتٌ سائراتٌ معكمْ … تتبعكمْ محلَّة ً وسفرا

تشتاقُ منكمْ عامري أوطانها … ومنْ ثوتْ فيهمْ فقضَّتْ عمرا

لا تعدمونَ رسمها مردداً … عليكمُ وقسمها موفَّرا

ماكرَّ يومَ المهرجانِ وطراً … وصامَ ذو شهادة ٍ وأفطرا

قلتُ فأغضبتُ الملوكَ فيكمُ … وأنتمْ بي تغضبونَ الشُّعرا