هل بعالي الذرى مكان اعتصام – جبران خليل جبران
هل بعالي الذرى مكان اعتصام … بعد مهواك يا رفيع المقام
أي رزء ألم بالعلم الفرد … فألقى الخشوع في الأعلام
أي خطب اصاب أوحد قوم … فأشاع الحزان في أقوام
ما جناه الردى بحجبك عنهم … سبقته جناية الأسقام
فتحملت في ليال طوال … ما تحملته من الآلام
كان عمر قضيته في اضطلاع … بالمعالي وفي مساع جسام
جدت في حبك البلاد بأغلى … ما به جاءها شهيد غرام
همم بلغتك أسمى الماني … من ثراء ورتبة ووسام
وأعزت بك البلاد وإن لم … تقض أقصى ما رمته من مرام
فلأمر عاق المهيمن حقا … عن قضاء ومطلبا عن تمام
مصر تبكي محمدا بفؤاد … أثخنته السهام بعدالسهام
كلما لاح كوكب في ذراها … كورته حوادث اليام
ينقضي الدهرو ابن محمود باق … خالد الذكر في بنيها العظام
ألزعيم الخليق منها ولا من … عليه بالحب والإكرام
ألرئيس النزيه في كل معنى … من معاني ولا ية الأحكام
ألوزير النهاض ما حزب الأمر … باعبائه الثقال الضخام
ألخطيب الذي لمنبره العالي … جلال كمهبط الإلهام
الأديب الذي إذا جالت الأقلام … جلى في حلبة الأقلام
ألرصين الرزين غلا إذا ما … عجل الراي خطة الإقدام
ألعدو المبن للمتجني … والنصير الأمن للمستضام
ألولي الأوفى لكل موال … والمذم الكفى لراعي الذمام
رجل كامل الرجولة لا يرمي … بعزم إلا بعيد المرامي
ليس يعني بالترهات ولا ينظر … إلا من المكان السامي
طبعته شمس الصعيد ولكن … لم يطل منه محمل الصمصام
والنفوس الكبار ليس عليها … حرج من تضاؤل الأجسام
أسمر اللون يعتريه شحوب … قدترى فيه صهبة الضرغام
يتلقى الأحداث عسرا ويسرا … وعلى الثغر منه وشك ابتسام
ليس بالأصيد العيوف ولا باللبق … المجتدي تحايا الأنام
شيعته البلاد والحزن غلاب … على الصبر في الدموع السجام
جيشها ناكس السلاح تماشيه … وئيدا شجية الأنغام
وعلى جانبي مشترفات … جزعات مخفوضة الأعلام
ووراء السرير تطرد الأفواج … والهام تلتقي بالهام
أمة أزحت الجناز في أسنى … مجالي الإكبار والإعظام
يا محبي محمد وهم صفوة … مصر التقت بهذا المقام
عظم الله أجركم إن وعدا لله … حق للصابرين الكرام
يا شقيقيه إن بيت سليمان … بأن تبقيا متين الدعام
فاستمتكم مصر الرزيئة فيه … وعلى قدرها مدى الاقتسام
فاخلفوه بالحق واتخذوا منه … لكم خير مرشد وإمام
إنت لك الحياة إنتصلوها … لحياة جديرة بالدوام
يا مليك الكنانة أسلم وصرف … كل ماضي رأي وناضي حسام
مصر قهارة الزمان ولم تعدم … همما يجيء بعد همام