هذي العزائم لا ما تدعي القضب – ابن القيسراني

هذي العزائم لا ما تدعي القضب … وذي المكارم لا ما قالت الكتب

وهذه الهمم اللاتي متى خطبت … تعثرت خلفها الأشعار والخطب

صافحت يا ابن عماد الدين ذورتها … براحة للمساعي دونها تعب

ما زال جدك يبني كل شاهقة … حتى ابتنى قبة أوتادها الشهب

لله عزمك ما أمضى وهمك ما … افضى اتساعا بما ضاقت به الحقب

يا ساهد الطرف والأجفان هاجعة … وثابت القلب والأحشاء تضطرب

أغرت سيوفك بالإفرنج راجفة … فؤاد رومية الكبرى لها يجب

ضربت كبشهم منها بقاصمة … أودى بها الصلب وانحطت بها الصلب

قل للطغاة وإن صمت مسامعها … قولاً لصم القنا في ذكره أرب

ما يوم إنب والأيام دائلة … من يوم يغرا بعيد لا ولا كثب

أغركم خدعة الآمال ظنكم … كم أسلم الجهل ظنا غره الكذب

غضبت للدين حتى لم يفتك رضى … وكان دين الهدى مرضاته الغضب

طهرت أرض الأعادي من دمائهم … طهارة كل سيف عندها جنب

حتى استطار شرار الزند قادحة … فالحرب تضرم والآجال تحتطب

والخيل من تحت قتلاها تخر لها … قوائم خانهن الركض والخبب

والنقع فوق صقال البيض منعقد … كما استقل دخان تحته لهب

والسيف هام على هام بمعركة … لا البيض ذو ذمة فيها ولا اليلب

والنبل كالوبل هطال وليس له … سوى القسي وأيد فوقها سحب

وللظبى ظفر حلو مذاقته … كأنما الضرب فيما بينهم ضرب

وللأسنة عما في صدورهم … مصادر أقلوب تلك أم قلب

خانوا فخانت رماح الطعن أيديهم … فاستسلموا وهي لا نبع ولا غرب

كذاك من لم يوق الله مهجته … لاقى العدى والقنا في كفه قصب

كانت سيوفهم أوحى حتوفهم … يا رب حائنة منجاتها العطب

حتى الطوارق كانت من طوارقهم … ثارت عليهم بها من تحتها النوب

أجسادهم في ثياب من دمائهم … مسلوبة وكأن القوم ما سلبوا

أنباء ملحمة لو أنها ذكرت … فيما مضى نسيت أيامها العرب

من كان يغزو بلاد الشرك مكتسبا … من الملوك فنور الدين محتسب

ذو غرة ما سمت والليل معتكر … إلا تمزق عن شمس الضحى الحجب

أفعاله كاسمه في كل حادثة … ووجهه نائب عن وصفه اللقب

في كل يوم لفكري من وقائعه … شغل فكل مديحي فيه مقتضب

من باتت الأسد أسرى في سلاسله … هل يأسر الغلب إلا من له الغلب

فملكوا سلب الإبرنز قاتله … وهل له غير أنطاكية سلب

من للشقي بما لاقت فوارسه … وإن بسائرها من تحته قتب

عجبت للصعدة السمراء مثمرة … برأسه إن إثمار القنا عجب

سما عليها سمو الماء أرهقه … أنبوبه في صعود أصلها صبب

ما فارقت عذبات التاج مفرقة … إلا وهامته تاج ولا عذب

إذا القناة ابتغت في رأسه نفقا … بدأ لثعلبها من نحره سرب

كنا نعد حمى أطرافنا ظفرا … فملكتك الظبى ما ليس نحتسب

عمت فتوحك بالعدى معاقلها … كأن تسليم هذا عند ذا جرب

لم يبق منهم سوى بيض بلا رمق … كما التوى بعد رأس الحية الذنب

فانهض إلى المسجد الأقصى بذي لجب … يوليك أقصى المنى فالقدس مرتقب

وائذن لموجك في تطهير ساحله … فإنما أنت بحر لجة لجب

يا من أعاد ثغور الشام ضاحكة … من الظبى عن ثغور زانها الشنب

ما زلت تلحق عاصيها بطائعها … حتى أقمت وأنطاكية حلب

حللت من عقلها أيدي معاقلها … فاستحلفت وإلى ميثاقك الهرب

وأيقنت أنها تتلو مراكزها … وكيف يثبت بيت ماله طنب

أجريت من ثغر الأعناق أنفسها … جرى الجفون امتراها بارح حصب

وما ركزت القنا إلا ومنك على … جسر الحديد هزبر غيله أشب

فاسعد بما نلته من كل صالحة … يأوي إلى جنة المأوى لها حسب

إلا تكن أحد الأبدال في فلك التقوى … فلا نتمارى أنك القطب

فلو تناسب أفلاك السماء بها … لكان بينكما من عفة نسب

هذا وهل كان الإسلام مكرمة … إلا شهدت وعباد الهوى غيب