نونيات جديدة – أديب كمال الدين

(1)

يا نوني الغامضة

منذ أن طردتني إلى ساحةِ البحر

حملتُ معي حروفي كلّها

وصنعتُ لها سفينةً من دمي

وحميتها من زلازل عجرفتك

بصيحاتِ قلبي المليء بالندوب

وحين وصلتُ إلى جبل النهاية

وقفتُ فأطلقتُ نقطتكِ فلم تعد إليّ

ثم أطلقتُ هلالكِ فعاد إليّ ببياضه وفتنته

فعرفتُ أنها اليابسة

وأنكِ مستقرّي الجديد.

هكذا نزلتُ من سفينتي

ونزلتْ معي حروفي ونقاطي

لنفترش الأرضَ فرحين مسرورين

بانتظارِ طوفانكِ القادم أبداً

(2)

ها أنتِ تحوّلتِ إلى سريرٍ جديد

يحميه عصفوران لا يكّفان عن الزقزقة

وعينان تنظران طويلاً في اللاشيء

أما أنا فانتقلتُ إلى سريري الأسود

ووضعتُ لحراستي جمعاً من الثيران المجنّحة

ورممته ببقايا نقطتك

التي تحّولتْ إلى ترياقي المفضّل

أنا ملك اللاشيء.

(3)

نحن لم نلتقِ

كنّا نمثّلُ دورَ العاشقين فقط

أنا المؤلف المكتوي

وأنتِ العاشقة المدلّهة

لكننا سرعان ما غادرنا مسرحيتنا

بعد أن أغُلِقَ باب المسرح

وُطِردَ آخر مشاهد مخمور

فخرجتُ أنا من النافذةِ المليئةِ بالأعشاش

وخرجتِ أنتِ من السرداب الخلفي.

(4)

ما الذي سيحدث لي بعد أن تحطّمتْ نونك

وصادرها الكذابون والطفيليون؟

هل سأصرّ على دور الزاهد الهندي

الذي يريد أن يردد حرفكِ لسبعين سنة قادمة؟

أم أنتبه إلى أن مسرحيتكِ مسرحية مهرّجين

لابد أن تنتهي بقهقهةٍ فارغة

أو بملاكمةٍ مدهشةٍ بين الجمهور والممثلين؟

(5)

يا نوني

كم تبقّى منكِ إليّ

فحتّى نقطة نونك

رأيت مَن يرفع سكينه

في وجهي لأنساها

وهيهات.

(6)

كم مِن روحكِ تبقتْ إليّ؟

فحتّى نافذتنا الخضراء

جاء مَن يطالب بها

ليضعها في عمارته: عمارة اللصوص.

(7)

كم مِن معناكِ تبقىّ إليّ؟

فحتّى أدراج جسدك

صادرها الأزواج المراؤون.

(8)

كم مِن معناكِ تبقى إليّ؟

فحتّى أنتِ

قررتِ أن تكوني مع مَن يمحوكِ من الأبجدية

لا مَع مَن يكتبكِ ويترجمك

إلى سبعين لغة حيّة ومنقرضة.

(9)

يا حبيبتي

لقد تحوّلت نقطتكِ إلى نشيد

وهلالكِ إلى ملحمة

ونونكِ إلى مسرحيةٍ كبرى

لكنّ ألفي.. ألفي الذي كتب كلّ شيء

ورأى كلّ شيء

وبنى كلّ شيء

وحلم بكلّ شيء

وبكى كلّ شيء

وضحك من كلّ شيء

واشترى كلّ شيء

من أجل اللاشيء

بقي حرفاً مليئاً بالطلاسم والجنون