نديمي وما الناسُ إلا السكارى – مهيار الديلمي

نديمي وما الناسُ إلا السكارى … أدرها ودعني غداً والخمارا

من العجزِ تركُ الفتى عاجلاً … يسرُّ لأمرٍ يخافُ انتظارا

و عطلْ كؤوسك إلا الكبيرَ … تجدْ للصغيرِ أناسا صغارا

و قربْ فتى َ مائة ٍ أو يزي … دُ قد أكملَ الشيبَ إلا الوقارا

تسرُّ المسرة َ أحشاؤه … و يبرزُ للعين طينا وقارا

لصون سواه رأيتُ الغلا … مَ ينفضُ عن كتفيهْ الغبارا

و ذي مبزلٍ كزنادِ المكبَّ … يقدحُ بالبزلِ منه شرارا

فسلَّ من النار في وجهه … لسانا فأمسك فاهُ حذارا

و خادعهُ عن خلوقية ٍ … تذوبُ في كأسها الجلنارا

جنتْ فقرَ شرابها المسلمين … و أغنت بغمى اليهودَ التجارا

عقرنا البدورَ لهم في المهو … رِ حتى جلوها علينا عقارا

يطوف بها عاطلُ المعصمينِ … يلبسهُ الجامُ منها سوارا

شفيقٌ على الحبَّ من غيره … إذا قلت ما أحسن البدر غارا

و لا مقبلهِ ما فرقتُ … أريقنه الخمرُ أم ما أدارا

هنئيا للهوى َ إني خلع … تُ حلمي له وتركتُ الوقارا

و صرتُ فتى غبقاتِ الملوكِ … عشياً أخا النشواتِ ابتكارا

وداديَ والدهرُ ما دامَ دامَ … و شعريَ والنجمُ ما سارَ سارا

و فيحاءَ من دورهم زرتها … و أخلقْ بها جنة ً أن تزارا

تلجلجَ في وصفها المحدثون … و حدثَ رضوانُ عنها فخارا

تعربَ قاسمها عادلا … فخطَّ وتحسبه العينُ جارا

صحونا طوالا كما تقتضي … شجاعتنا وحصونا قصارا

و شقَّ لبستانها عن ثرى ً … إذا طلعَ النبتُ فيه أنارا

و قد بثَّ في ظلَّ شجرائهِ … عيونَ الأذى رقبة ً واستنارا

تخفرَ منها بمسلوبة ٍ … سوى ورقٍ ألحفتهُ إزارا

من الهيفِ حين يجورُ النسيمُ … على غصنها لا تطيقُ انتصارا

نحولٌ عرضتُ له بالسمانِ … و صغرى تجنبتُ منها كبارا

و منشورة ٍ سترتْ نفسها … فخاطت قميصا ولاثت خمارا

و عزتْ فصانت سوى ساقها … و ما إن أباحته إلا اضطرارا

نشمر عنه جلابيبها … لعادته أن يخوضَ الغمارا

فكادت تواريه ضناً به … و من حسنها أنه لا يوارى

تشككني وهي طوع الريا … حِ تتبعها يمنة ً أو يسارا

أتدنو لتسعفني بالعنا … ق في مثلها أم تصدُّ ازورارا

و تجلو عليك بناتِ الفسيلِ … إذا كست السعفاتُ الثمارا

غدائرُ غيدٍ يضفرنها … و تأبى عليهنّ إلا انتشارا

جلبنا له الماء من شاهقٍ … جزانا بحسبِ الصعود انحدارا

و ما سال حتى أسلنا اللجينَ … و لا عزَّ حتى أهنا النضارا

إذا ما تحلق مستعليا … تعلقَ بالطبع يبغي الفرارا

فثورَ خمسا إذا ما نطقنَ … بأخبارهِ خلتَ نقعا مثارا

إذا جادهنَّ ندى ً جدنهُ … و إن فرَّ طرنَ إليه نفارا

هوينَ الأمانة َ حتى اجتهد … نَ ليقضينهُ ماءه المستعارا

تروسُ عليهنّ في وسطهنَّ … كبرى تعولُ بناتا صغارا

يرزنَ يخيلنَ للناظرين … صوامعَ من حولها أو منارا

إذا سددتْ لطعانٍ قناً … حذفنَ إليها نصولا طرارا

حوتهنّ معجزة ُ الآتينِين … تجودُ الحيا وتمدُّ البحارا

فمن بين خركاءَ مضروبة ٍ … على تلعة ٍ حملتها اغترارا

تولى مجاريها فوقها … من الماء سمحٌ كريمٌ نجارا

إذا ما اديرَ لها مرة ً … لتعجبَ جادت فدارتْ مرارا

لها آية ٌ لم تكن قبلها … و لكن ظهرنا عليها اقتدارا

ترى ظلها جامداً مائعا … و تحملُ ضدين ماءً ونارا

و مثلِ العروسِ عروسٌ تديمُ … يداها على منكبيها النثارا

إذا ما جلوها أبتْ حشمة ً … بكرسيها أن تطيق القرارا

طلبنا لها الكفءَ من قومها … فعزَّ وكان سوى الكفء عارا

فعدنا نزرّ عليها السجوفَ … فترضى بها عفة ً واختفارا

و كالظبي يظلمَ باسم الجمال … فيطغى إباءً ويغضى اغتفارا

و يزبدُ فوه لغاما إذا … تفرق عن شفتيه استطار

يسير روياً إذا ما اغتدت … كبودُ المطايا عطاشا حرارا

و لولا الذي فعلَ الطنبلنبُ … لقد أنجدَ المدحُ فيهو غارا

و لكنه خافرٌ للذما … مِِ جاورتهُ فأساءَ الجوارا

بغاني فلم أنجُ مع نهضتي … و رحبِ خطائيَ منهُ فرارا

رماني فأصمي بسهمٍ له … يدور مع المتقي كيفَ دارا

إذا هو فوقه للثيا … بِ ألقى جروحا تضلُّ السبارا

فأردى ردائي وجاءت الي … ك دراعتي تبتغي منكَ ثارا

قتيلي لديكَ فلا تذهبنَّ … عليكَ دماءُ ثيابي جبارا

و بيتٍ إذا الدهرُ ضامَ الشتاءَ … تعوذَ منه به فاستجارا

صحبتُ الخريفَ به في المصيفِ … و ذكرني الليلُ فيه النهارا

و أهدى الهواءَ له ناشرٌ … جناحينْ لو حملاه لطارا

تنصتَ للريح مستفهما … بأذنينْ لا يحملان السرارا

إذا عبرتْ مطلقاتُ الريا … ح يسلكنه ظلنَ فيه أساري

فتلفظُ منها السمومُ الشرارَ … و يلقى إلينا النسيمُ الحبارا

غرائبُ روضتَ يا ابن الكرام … برأيك منها الشموسَ النوارا

و باهلتَ بالأرض فيها السما … ءَ فاعترفت خجلا وانحصارا

و قبحتَ في جنب تحسينها … بأعين أربابهن الديارا

فلو صاحبُ السدَّ لاحت له … تبين فيما بناه العوارا

و قيستْ لكسري بإيوانه … قلاهُ ولم يعطَ عنها اصطبارا

أرتك بدائعها همة ٌ … تهينُ عليك العظيمَ احتقارا

و فضلٌ يجليكَ يومَ الرها … نِ منْ لا يبدُّ ومنْ لا يجاري

فأقسمُ بالله لو أنصفو … ك قسما وردوا إليَّ الخيارا

لما كنتُ أرضى لك الخافقي … ن ملكا ولا جنة َ الخلد دارا