من هيبة يغضي القريض ويطرق – أحمد محرم
من هيبة يغضي القريض ويطرق … ويميل فيك إلى السكوت المنطق
إئذن يفض هذا البيان فإنه … مما يفيض بيانك المتدفق
ما في النوابغ من لبيب حاذق … إلا وأنت ألب منه وأحدق
والقول مستلب المحاسن عاطل … حتى يقول العبقري المفلق
رضت الأوابد لي أقود صعابها … ورضيتني إنى إذن لموفق
هي مدحتي انطلقت إليك مشوقة … والسبل تسطع والمنازل تعبق
أنت المجال الرحب تعتصر القوى … فيه وتمتحن العتاق السبق
حسان منبهر وكعب عاجز … والشاعر الجعدي عان موثق
أطمعتهم فتنازعوا فيك المدى … وأبيت فانقلبوا وكل مخفق
لي عذرهم ما أنت من عدة المنى … إلا وراء مخيلة ما تصدق
أنت احتملت الأمر تنصدع القوى … مما يشق على النفوس وتصعق
وسننت للمتعسفين سبيلهم … متبلجا سمحا يضيء ويشرق
يمشي الهدى فيه على يدك التي … هي للهدى عضد أبر ومرفق
ذعرت قريش هل يبدل دينها … رجل ضعيف في العشيرة مملق
لا المال ينصره ولا هو إن دعا … خفق اللواء له وخف الفيلق
ينهى عن الأصنام وهي بموضع … تمحى حواليه النفوس وتمحق
المال والعرض الممنع سوره … والمجد والشرف الصميم المعرق
من وصفه الأسد الضواري تدعي … والخيل تصهل والقواضب تبرق
الحق أقبل في لواء إمامه … والحق أولى أن يسود وأخلق
يرمي به سود الغياهب ساطعا … تنجاب حول سناه أو تتشقق
حار الظلام فما يلوذ بجانب … إلا يحيط به الضياء ويحدق
الوحي مطرد وبأس محمد … جار إلى غاياته لا يلحق
لا الضعف يأخذ من قواه ولا الونى … بأولئك الهمم الدوائب يعلق
بغي الألى خذلوه من أنصاره … والبغي نصر للهداة محقق
زعموا الأذى مما يفل مضاءه … فمضى البلاء به وجد المصدق
يأوي إلى النفر الضعاف وإنه … لأشد منهم في النضال وأوثق
هم في حمى الوحي المنزل صخرة … تعي الدهاة وجذوة تتحرق
وهبوا لربهم النفوس كريمة … لا تفتدى منه ولا هي تعتق
المؤمنون الثابتون على الهدى … والأرض ترجف والشوامخ تخفق
رزقوا اليقين فلا ذليل ضارع … يطوي الجناح ولا جبان مشفق
جند النبي إذا تقدم أقبلوا … والموت يفزع والمصارع تفرق
صدعوا بناء الشرك تحت لوائه … فهوى وطار لواؤه يتمزق
إن الذي جعل الرسالة رحمة … لم يرحم الدم في الغواية يهرق
بعث الرسول معلما ومهذبا … يبني الحياة جديدة يتأنق
يتخير الأخلاق ينظم حسنها … في كل ركن قائم وينسق
عفت الرسوم وأخلقت فأقامها … شماء لا تعفو ولا هي تخلق
قدسية الأرجاء ما برحابها … عنت ولا فيها مكان ضيق
تسع الممالك والشعوب بأسرها … وتفيض خيرا ما بقين وما بقوا
عرفت لحاجات العصور مكانها … فلكل عصر سؤله والمرفق
منعت مغالقها الشرور وما بها … للخير والمعروف باب مغلق
فيها لدنيا العالمين مثابة … لولا التباعد والهوى المتفرق
المصلح الأعلى أتم نظامها … فانظر أينقضه الغبي الأخرق
أوفى على الدنيا وملء فجاجها … بغي يزلزلها وظلم موبق
والناس فوضى في البلاد يغرهم … دين من الخبل المضل ملفق
النفس مغلقة على أوهامها … والعقل مضطهد يضام ويرهق
سجدوا لما صنعوا فأين حلومهم … ولمن جباه بالمهانة تلصق
أهي التي رفعوا وظنوا أنهم … قوم لهم فوق السماء محلق
من يدعي شرف الحياة لمعشر … كفروا بمن يهب الحياة ويخلق
إن تنب مكة بالرسول فما نبا … عزم تهد به الصعاب وتسحق
كذب الطغاة أيرجفون بقتله … والوحي سور والملائك خندق
ورد المدينة زاخرا فجرى بها … آذيه وطما العباب المغرق
بطل توسع في ميادين الوغى … لما تضايق عن مداه المأزق
ساس الحوادث والنفوس فتارة … يقص الرقاب وتارة يترفق
يدعو إلى الحسنى فإن جمح الهوى … فالسيف مسنون الغرار مذلق
يرمي العوان بكل أغلب باسل … يهفو إلى غمراتها يتشوق
لمس العروش فما يزال يهزها … ذعر يطوف بها وهم مقلق
صدعت قوى الإسلام شامخ عزها … فإذا الملوك أذلة تتملق
وإذا الممالك ما يهلل مغرب … إلا استجاب له وكبر مشرق
هذا تراث المسلمين فبعضه … يزجى علانية وبعض يسرق
عجز الحماة فنائم متقلب … فوق الحشية أو مغيظ محنق
القوم صم في السلاح وقومنا … مستصرخ يعوي وآخر ينعق
إن كنت ذا حق فخذه بقوة … الحق يخذله الضعيف فيزهق
لغة السيوف تحل كل قضية … فدع الكلام لجاهل يتشدق
وكن اللبيب فليس من كلماتها … شرع يداس ولا نظام يخرق
الخيل والرهج المثار حروفها … والنار والدم والبلاء المطبق
فتشت ما بين السطور فلم أجد … أن الأسود بصيدها تتصدق
أرأيت أبطال الكفاح وما جنى … أمل بأجنحة الرياح معلق
لا يأس من نفحات ربك إنني … لأرى السنا خلل الدجى يتألق
كلمات: تراث سوري
ألحان: ابراهيم العميم