منْ حاكمٌ وخصوميَ الأقدارُ – مهيار الديلمي

منْ حاكمٌ وخصوميَ الأقدارُ … كثرُ العدوُّ وقلت الأنصارُ

أشجى من الدنيا بحبَّ مقلبٍ … و جهين عرفُ وفائه إنكارُ

سومَ الدعيَّ إذا تضرع رده … للؤم عرقُ الهجنة ِ النعارُ

و إذا وفى لمنايَ يومٌ حاضرٌ … فأجارَ أسلمني غدٌ غدارُ

أفصخرة ٌ يا دهرُ القلبُ أم … هو للهموم الساريات قرارُ

في كلَّ يومٍ للنوائبِ شلة ٌ … من جانبيَّ وللهمومِ غوارُ

و مصائبٌ متحكماتٌ ليس لي … معهنَّ في بيع النفوس خيارُ

تنحى فأحملها ثقالا مكرها … و كأنني بتجلدي مختارُ

جرحٌ على جرحٍ ولكن جائفٌ … ضلَّ الفتائلُ فيه والمسبارُ

فجرتْ عمائقهُ العروقَ وغادرتْ … قصبَ العظامِ وهنَّ مخٌّ زارُ

فاغمزْ قناتي يا زمانُ فإنه … ذاك المماكسُ طائحٌ خوارُ

كشفتْ لنبلكَ غامضاتُ مقاتلي … و ترفعتْ عن صفحتي الأستارُ

و أكلتُ لا خلفٌ يردُّ سلامتي … ذلاً ولا يحمي حمايَ جوارُ

ذهب الذي كانت تجاملني له الد … نيا وتسقط دونيَ الأخطارُ

و يردُّ فارسة َ الخطوبِ نواصلاُ … منى َّ مخالبهنَّ والأظفارُ

من يشتريني بالنفائس مغلياً … بعدَ الحسينِ ومنْ عليَّ يغارُ

و يظلني واليومُ أغبرُ مشمسٌ … أتجللُ النكباتِ وهي أوارُ

أم من يضمُّ بدائدَ الآمال لي … و يفلُّ عني باسمه الإقتارُ

و إذا اقشعرتْ أرضيَ استرختهُ … فإذا لجينٌ تربها ونضارُ

المخذمُ البتارُ أسقطَ من يدي … و الغيثُ أقلعَ عنيَ المدرارُ

و الصاحب انتزعتْ قوادمُ أسرتي … منهُ وهيضَ جناحها الطيارُ

فاليوم لا أبتِ الصغارَ ولا اعتزتْ … إلا عبيداً فارسُ الأحرارُ

و تطأطأتْ ذلاً فطالت ما اشتهتْ … شرفا عليها يعربٌ ونزارُ

كنا وإن كرمتْ نفاخرها به … فالآنَ ما بعدَ الحسين فخارُ

لا خفتُ بعدُ ولا رجوتُ وقد ثوى … في الترب منه النافعُ الضرارُ

سائلْ بهذا الذودِ يرغو بكرهُ … في الحيّ أين المقرمُ الهدارُ

و متى أخلَّ أبو الشبول بغيلهِ … فتناهقتْ من حوله الأعيارُ

يا مدرجا فردا تسدى فوقه … بالقاع أردية ُ الثرى وتنارُ

ملقى ً وراءَ نسية ٍ ومضلة ٍ … تخفى ضريحك والقبورُ تزارُ

أذللتَ قلبي للأسى وتركتني … أتبردُ الزفراتِ وهي حرارُ

و حطمتَ آمالي فهنّ ضعائفٌ … و قصرتَ من هممي فهنّ صغارُ

أنا من شفار القاتليك متى التقتْ … من مقلتيَّ مع الكرى الأشفارُ

أو قلتُ معتاضا بجارٍ مثله … جارٌ ولا بالدار بعدك دارُ

و متى صحبتُ العيشَ بعدك باردا … و الناسُ صاروا بي إلى ما صاروا

نبذوا عهودك آنفا وتقسموا … رمماً بحبل الخلف وهو مغارُ

ظنوا بفقدك أن يلموا شعثها … يا ربَّ نقضٍ جره الإمرارُ

و رجوا بهلكك أن يخلد ملكهم … فإذا سلامتهم بذاك بوارُ

فعلامَ لم تشكمْ وقد فغرتْ لهم … فلجاءُ ينكرنا بها الفرارُ

و تفجرتْ بالشرّ بعدك والأذى … جنباتها وتداعت الأقطارُ

حذروا السجالَ يخابطون قليبها … و الحبلُ واهٍ والجبا منهارُ

ودوا لو أنك حاضرٌ فكفيتها … لما تولى أمرها الأغمارُ

و رعى الندامة َ حيث لم يشبع بها … غاوٍ رماك وآخرون أشاروا

وليَّ يفرُّ ولم يعفها سبة ً … تسري وليس من الحمامِ فرارُ

سرعانَ ما استعروا بجمرة ِ بغيهم … و لربَّ باغٍ غره الأنصارُ

طرحوا الفراتَ إلى الفراتِ فمادرى … ملقوك أيهما له التيارُ

و تعاظموا أن يقبروك ومن رأى … ليثا يخطُّ له الثرى محفارُ

و أبي العلا ما كنتُ أعلم قبلها … أنّ البحورَ قبورهنَّ بحارُ

ذلاًّ لبيض الهند بعدك شدّ ما … غدرتْ ولا سلمَ القنا الخطارُ

ما كان أنكلهنَّ عنك لو أنه … عند السلاح حفيظة ٌ وذمارُ

قتلوك محصورا غريبا لا ترى … مولى يعزُّ ولا بجنبك جارُ

من خلفِ ضيقة ِ السماء بهيمة ٍ … ينزو بقلبك بابها الصرارُ

حفروا الزبى لك فارتديت وإنما … سلطانُ ليث الغابة الإصحارُ

هلا وفيك إلى وثوبٍ نهضة ٌ … و لديك منتفدٌ وعندك زارُ

و خطاك واسعة ُ المدى تحت الظبا … لا الخيطُ يحبسها ولا المسمارُ

أعززْ عليَّ بأن تصابَ غنيمة ً … في القدَّ يجمعُ ساعديك إسارُ

في حيث لا يروى على عاداته … بيديك نصلٌ حائمٌ وغرارُ

و بمصرعٍ لك لم تثابر دونه … فوق الأكفَّ صوارمٌ وشفارُ

و الخيل صاعة على أشطانها … قرحى تقامصُ خلفها الأمهارُ

بشياتها لم يختضبْ بدمٍ لها … عرفٌ ولم يبللْ عليك عذارُ

أو أن يكون الجوُّ بعدك ساكنا … و اليومُ أبيضُ ما عليه غبارُ

و وراء ثأرك غلمة ٌ لسيوفهم … في الروع من مهج العدا ما اختاروا

يتهافتون على المنون كأنهم … حرصاً فراٌش والمنية ُ نارُ

حلماءُ في الجليَّ فإن هم أغضبوا … طاشوا فحنت فيهم الأوتارُ

لو صحتَ تسمعهم وصوتك في الثرى … فحصوا عليك وفي السماء لطاروا

خذلوك مضطرين فيك وجمجموا … من بعد ما فصحت بك الأخبارُ

و تناذروا أن يندبوك قضية … فالحزنُ بينهمُ عليك سرارُ

إن يمسكوا فيضَ الدموع فربما … فاضت عيونٌ في الصدور غزارُ

أو يجلسوا نظرا ليوم تشاورٍ … فالريثُ أحزمُ ما أرابَ بدارُ

و لربما نام الطلوبُ بثأره … لغدٍ ولكن لا ينام الثارُ

و قد اشتفى بعد البسوس مهلهل … زمنا وما نسى َ الدمَ المرارُ

و على الطفوف دمٌ أطيلَ مطالهُ … حتى تقاضى دينه المختارُ

لا بدّ من يومٍ مريضٍ جوه … للخيلِ فيه بالرؤس عثارُ

متوردِ الطرفين يكفرُ شمسهُ … دجنٌ له علقُ الكماة ِ قطارُ

تصلاه باسمك آخذين بحقهم … عصبٌ لهم عبدُ الرحيم شعارُ

فهناك يعلم قاتلوك بأنه … ما عقّ من أبناؤه أبرارُ

و يرى عدوك والبقاءُ لغيره … أنّ البقاءَ وإن أطيلَ معارُ

و إن اشتفى وحلا بفيه غدرهُ … أنَّ اعتقابَ حلاويته مرارُ

و لقد يشاك المجتني بمكان ما … عجلتْ يداه ويلدغُ المشتارُ

و ليَّ شنعاء تذهبُ نفسهُ … فيها ويبقى لومها والعارُ

درستْ بك السنن الحميدة ُ واغتدى … نقدُ المكارم وهو منك ضمارُ

هل سائلٌ بك بعدها أو قائلٌ … هيهات لا خيرٌ ولا استخبارُ

حتى كأنك لم تقدْ ملمومة ً … يوميَ إليك أمامها ويشارُ

خرساءَ إلا ما تكلم صارمٌ … في قونسٍ أو طنَّ عنه فقارُ

تهفو عليك عقابها ويضمها … منشورة ً لفنائك التكرارُ

و كأنَّ رأيك لم يلحْ قبساً إذا … عميتْ عشايا الرأي والأسحارُ

و إذا خلاط الأمرِ سدَّ طريقه … فلديك واضحة ٌ له وقرارُ

و كأنّ بابك لم يكن لعفاته … حرما يجير ولا حمى يمتارُ

يأوى إليه المسنتون ويلتقي … بفنائه السفارُ والحضارُ

و تبيت تلغطُ من وصائلِ ناقة ٍ … عشراءَ عندك برمة ٌ أعشارُ

تصفى كرائمها الضيوفَ وتكتفي … فيما يليك بما انتقى الجزارُ

و كأنّ كفك لم تبنْ في ظهرها … قبلُ الملوكِ وتشهدُ الآثارُ

و يخفُّ بين بنانها إن حملتْ … ضبطُ الحسامِ ويثقلُ الدينارُ

بالكره منك وبالمساءة روحت … لسوى العقور على البيوت عشارُ

و تراجعتْ وخدودها ملطومة ٌ … بزلٌ لقصدك وجهتْ وبكارُ

و غفلتَ لم تسأل ولستَ بغافلٍ … أنيَّ تنكب بابك الزوارُ

و تسلبتْ من فارسٍ أو راكبٍ … تلك السروجُ إليك والأكوارُ

و متى أرمَّ المادحون وأكسدتْ … من بعد ما نفقتْ بك الأشعارُ

أو أن أقولَ فلا تصيخ لقولتي … لو كنتَ متروكا وما تختارُ

و ترى الزمانَ يضيمني فيفوتني … من راحتيك حمية ٌ وغيارُ

قد كنتَ حصنا من ورايَ وكان لي … بك من أمامي جنة ٌ وصدارُ

أيامَ شيبي تحت ظلك نضرة ٌ … و صباً وليلي في ذراك نهارُ

و عليَّ من نعمى يديك طلاوة ٌ … أمشى وتتبعني لها الأبصارُ

قد كنتُ أحسبُ أن بأسك هضبة ٌ … لا يستطيع رقيها المقدارُ

و أقولُ أن لسقف بيتك في العلا … عمداً حبالُ الموت عنه قصارُ

و إخالُ جودك نثلة ً دون الردى … حصداءَ تمنع فرجها الأزرارُ

فإذا الشجاعة ُ والسماحة ُ متجرٌ … تزكو به الأعمالُ والأعمارُ

غدرا من الأيام تفتقُ شمسها … و الأرضِ تورقُ فوقها الأشجارُ

و مذلة في السحبِ وهي صواحب … ليديك تنزل بعدك الأمطارُ

كم قد تعللتِ المنى بك تارة ً … أمنٌ وطورا خيفة ٌ وحذارُ

و تخالفتْ فيك الرواة ُ فسرني … و تلونت بحديثك الأخبارُ

و لقد ظننتُ بها وراءَ لثامها … خيراً فكشفَ قبحها الإسفارُ

إن تفتقل عيني مثالك في العلا … فبنوك من عين العلا آثارُ

سدوا مكانك والشموسُ إذا هوتْ … ملأت مطارحَ نورها الأقمارُ

طبْ في الثرى نفساً فكلٌّ منهمُ … ثمَّ اقتراحك فيه والإيثارُ

هم أنفسا تدوى عداك وألسنا … من جمرتيك سلائطٌ وشرارُ

كانوا السراة َ وقد عدمتَ وبعضهم … لأبيه إن طرقَ الحمامُ عوارُ

متلاحقين إلى العلاء كأنهم … مجرونَ يجمعُ بينهم مضمارُ

الوفدُ وفدك طائفٌ بيوتهم … و الحاملُ العبقاتِ والسمارُ

تتلى عليهم فيك كلُّ فضيلة ٍ … للميتِ فيها النشرُ والتذكارُ

أيدٍ طبعنَ على السماح وأوجهٌ … في عتقها من دوحتيك نجارُ

هم ما همُ ويزينُ مجدَ أبيهمُ … خالٌ لزندِ المجدِ منه سوارُ

ما غبتَ عنهم وهو شاهدُ أمرهم … لك منه فيهم كافلٌ وطوارُ

فليبقَ وليبقوا له ما طبق ال … آفاق طيبُ ثائك السيارُ

و إذا العزاءُ أتى فذلَّ لهم به … فيك العزيزُ وأسهلَ المعسارُ

و لقد أسليهم وفي عظتي لهم … جزعٌ ورجع كلاميَ استعبارُ

ساهمتهم عبءَ المصابِ وكلنا … تحت التجمل حاملٌ صبارُ

لا تبعدنّ بلى فقد فات البلى … بك أن يظنَّ تقاربٌ ومزارُ

و سقاك إن عطش القليبُ وماؤه … متبجسٌ وقرارهُ خرارُ

متهدلُ الأطرافِ يمسحُ بالثرى … مما تراكمَ ذيلهُ الجرارُ

صخبُ الرعودِ تهيجُ في جنباتهِ … للعاصفاتِ جراجرٌ وخوارُ

فجرى يجللُ بالحيا حيطانهُ … حتى الجداولُ تحتها أنهارُ

يسقى بأعذب ما سقى حيث التقتْ … فلقُ الصفيحِ عليكَ والأحجارُ

حتى يظنَّ ثراك نشوانا به … دارت عليه من السحابِ عقارُ

و يضوعَ منك بطيبِ ما في ضمنه … فكأنّ ضارجَ تربه عطارُ

و نزلتَ حيث تحطُّ أملاكُ العلا … شوقا إليك وترفعُ الأوزارُ