ملامتكم عدل لو الحب يعدل – جبران خليل جبران
ملامتكم عدل لو الحب يعدل … وإرشادكم عقل لو القلب يعقل
رماني الهوى سهما أصاب حشاشتي … فكيف على ما أشتكي منه أعذل
ذروني وشأني إنه لو نفى الأسى … ملام لخففت الذي أتحمل
كتاب حبيبي أنت خير تعلة … لقلبي وقد أعيى الطبيب المعلل
كشفت ظلام الشك عن وجه حبه … فلاح كبدر التم والليل أليل
ونبهت ظني للعدى وهو غافل … على حين عيني من جوى ليس تغفل
أبانوه عني فابتلوه بقاتل … من الداء والداء الذي بي أقتل
فليس على قرب المزار بعائدي … وما بي أن أسعى إليه فأفعل
تناظر دارانا ويحجبنا نوى … يعيد حديد اللحظ وهو مفلل
ولو أن بعد العسر يسرا مؤملا … ولكن غدونا والحمام المؤمل
وكنت أرى الأزهار أسعد حالة … فأحسدها والسعد بالزهر أمثل
فألفيت أن لا حي إلا معذب … وأشقى ذوي الآلام من يتعقل
معاهد صفوي في الصبا بان صفوها … كأن الذي في النفس للدار يشمل
وروضة إيناسي ولهوي تحولت … فلا حسنها يسلي ولا الشدو يشغل
تفقدتها والفجر يفتح جفنه … كما انتبه الوسنان والجفن مثقل
فطفت على الأزهار في أمن نومها … أنبهها جذاب إلي فتجفل
أحاول سلوانا بتشكيل طاقة … فأقتل منها ما أشاء وأثكل
وما كنت من يجني عليها خلائقا … ضعافا ولكن جنة اليأس تحمل
إلى أن بدت لي وردة مستكينة … كأن دموع الفجر فيها تهلل
لها طلعة الجاه المؤثل والصبا … وفي الوجه تقطيب لمن يتأمل
تلوح عليها للكآبة والأسى … مخايل دقت أن ترى فتخيل
ويكسبها معنى الحياة ذبولها … لدى ناظريها فهي في النفس أجمل
مليكة ذاك الروض جاور عرشها … من الزنبق العاتي مليك مكلل
أغر المحيا كالصباح نقيه … له قامة كالرمح أو هي أعدل
إذا ما استمالته إلى الوردة الصبا … فلا ينثني كبرا ولا يتحول
فبينا يدي تمتد آنا إليهما … ويمنعني الإشفاق آنا فأعدل
ويبدو جبين الصبح وهو معصب … بتاج كأن التبر فيه مخضل
وما تتشظى شمسه في اشتعالها … تشظي قلبي وهو بالشوق مشعل
إذا والدي قد طوقتني يمينه … وفي وجهه دمع من العين مرسل
فقبلته ظمأى كأن بمهجتي … لظى الناء والشيب المقبل منهل
فقال وما يدري بموقع قوله … لما هو من أمري وأمرك يجهل
شفيقا بحال الزهرتين فؤاده … شفيعا بما في وسعه يتوسل
بنية عفوا عنهما فكلاهما … شقي يود الموت والموت ممهل
فلا تسبقي سيف القضاء إليهما … على أنه يشفيهما لو يعجل
حبيبان سرا ساعة ثم عوقبا … طويلا كذاك الدهر يسخو ويبخل
وإن لهذين العشيقين حادثا … غريبا بودي أن أرى كيف يكمل
فقد جاورت هذي الوفية إلفها … إذ الإلف مياس المعاطف أميل
فكان إذا مرت به نسم الصبا … يسر إليها سر من يتغزل
يداعبها جهد الصبابة والهوى … ويعرض عنها لاعبا ثم يقبل
ويرشف كل من جبين حبيبه … دموع الندى خمرا رحيقا فيثمل
ولكنه لم يلبث الغصن أن جفا … فلم تثن عطفيه جنوب وشمأل
فشق عليها بينه وهو جارها … وباتت لفرط الحزن تذوي وتنحل
وعما قليل يقضيان من الجوى … وإن صح ظني فهي تهلك أول
فوارحمتا هذي حقيقة حالنا … رآها أبي في الزهرتين تمثل
بكى جزعا للزهرتين ولو درى … لصان لنا الدمع راح يبذل
هما صورتانا في الهوى وحديثنا … حديثهما بين الأزاهر ينقل
أقبل ذاك الغصن كل صبيحة … كأني للنائي الحبيب أقبل
وأنظر أختي في الشقاء كأنني … أراني بمرآة أموت وأذبل