مع فاطمة في قطار الجنون – نزار قباني

إبْحَثي عن رَجُلٍ غيري..

إذا كنتِ تريدينَ السَلامَهْ..

كلُّ حُبٍّ حارقٍ..

هو _ يا سيِّدتي _ ضِدَّ السلامَهْ

كلُّ شِعْرٍ خارقٍ..

هو _ في تشكيلِهِ _ ضِدَّ السلامَهْ

فابحثي عن رَجُلٍ غيري..

إذا كنتِ تُحسِّينَ بأصوات الندامَهْ

إبحثي عن رَجُلٍ..

يمتلكُ القدرةَ والصبرَ .. لتثقيف حَمَامَهْ

فأنا من قَبْلُ .. ما حاولتُ تثقيفَ حَمَامَهْ…

إنَّ حُبِّي لكِ يا سيِّدتي

أشْبهُ في يوم القيامَهْ..

من تُرَى يقدرُ أن يهربَ من يوم القيامَهْ؟

فاقْبَلي ما قسمَ اللهُ عليكِ..

بإيمانٍ عميقٍ .. وابتسامَهْ..

واتْبَعيني ..

عندما أركبُ في الليل قطاراتِ الجُنُونْ..

طالما أنتِ معي..

لستُ مهتمّاً بما كانَ..

وما سوفَ يكُونْ…

2

آهِ .. يا سُنْبُلةَ القمح التي تخرج من وَسْط الدُمُوعْ

دَخَل السيفُ إلى القلب، ولا يمكننا الآنَ الرُجُوعْ

إنّنا الآنَ على بوَّابة العشق الخطيرَهْ..

وأنا أهواكِ حتى الذَبْحِ..

حتى الموتِ..

حتى القَشْعريرَهْ..

نحنُ مَشْهُورانِ جداً..

وجريئانِ على التاريخ جدّاً..

والإشاعاتُ كثيرَهْ..

هكذا يحدث دوماً في العلاقات الكبيرَهْ.

آهِ .. يا فاطمتي..

يا التي عِشْتُ وإيّاها ملاينَ الحماقاتِ الصغيرَهْ

إنّني أعرفُ معنى أن يكونَ المرءُ في حالة عشْقٍ

خلفَ أسوار الزمان العربيّْ

وأنا أعرفُ معنى أن يبوحَ المرءُ..

أو يهمسَ..

أو ينطقَ..

في هذا الزمان العربيّْ..

وأنا أعرفُ معنى أن تكوني امْرأتي..

رَغْمَ إرهابِ الزمان العربيّْ..

فأنا تطلبني الشُرْطةُ للتحقيق في ألوان عَيْنَيْكِ..

وفيما تحتَ قُمصَاني..

وفيما تحتَ وجداني..

وأسفاري .. وأفكاري .. وأشعاري الأخيرَهْ..

وأنا لو أمْسَكُوني..

أسرُقُ الكُحْلَ الذي يُمْطِرُ من عينيْكِ..

صَادَتْني بواريدُ العشيرَهْ..

فافْتَحي شَعْرَكِ عن آخرِهِ..

إنَّني مُضْطَهَدٌ مثلَ نبيٍّ..

ووحيدٌ كجزيرَهْ..

إفْتَحي شعرَكِ عن آخرِهِ..

وانْزَعي منه الدبابيسَ .. فهذي فرصةُ العمر الأخيرَهْ

3

آهِ .. يا أَيْقُونةَ العمر الجميلَهْ

يا التي تأخذني كلَّ صباحٍ من يدي

نحو ساحات الطفولَهْ..

وتُريني تحت جَفْنَيْها شُمُوعاً مُسْتَحيلَهْ..

وبلاداً مستحيلَهْ..

أيُّها الكنزُ الخرافيُّ الذي كان معي

في قطاراتِ الشمالِ..

إنَّ حِبْرَ الصين في عيْنَيْكِ _ يا سيِّدتي_

فوق احتمالي..

يا التي تمرُقُ من بين شرايني..

كعطر البرتُقالِ..

4

يا التي تشطُرُني نِصْفَيْنِ في الليل..

وعند الفجر، تُلقيني على رُكْبَتِها .. نِصْفَ هلالِ..

يا التي تحتلُّني شرقاً .. وغرباً..

ويميناً .. وشمالاً..

إسْتَمرّي في احتلالي..

أنا مشتاقٌ إلى أيام (وندرمير)..

مشتاقٌ لأنْ أمشي وإياكِ على الماءِ..

وأن أمشي على الغيمِ..

وأن أمشي على الوقتِ..

ومشتاقٌ لأنْ أبكي على صدركِ حتى آخرِ العمرِ..

وحتّى آخرِ الشِعْرِ..

ومشتاقٌ لحانات الضَواحي..

وكراسينا أمامَ النار..

مشتاقٌ إلى كلّ الذُرَى البيضاءِ..

حيثُ أختلط الكُحْلُ الحجازيُّ مع الثلج..

ومشتاقٌ إلى شيءٍ من الكونياكِ..

في بَرْد الليالي..

5

آهِ .. يا عصفورةَ الماء التي تجلس قربي..

في قطارات الشِمالِ..

إمْسِكيني من ذراعي جيّداً..

فالقراراتُ التي يصدرها السلطانُ لا تُشْغِلُ بالي..

ومِلفَّاتي لدى الشُرْطة لا تُشْغِلُ بالي..

وحدَهُ حبُّكِ – يا سيّدتي- يُشْغِلُ بالي..

نحنُ قامرنا كثيرا..

وتطرَّفْنَا كثيرا..

وتجاوزنا إشاراتِ المُرُورْ..

فامْسِكيني من ذراعي جيداً..

لتدورَ الأرضُ..

فالأرضُ بلا حُبٍّ كبيرٍ .. لا تدُورْ..