ما مَدْمَعي حذَرَ النَّوى بقريحِ – ابن الرومي

ما مَدْمَعي حذَرَ النَّوى بقريحِ … فدعِ الغُرابَ يَصِيحُ كلَّ مَصيحِ

شُغْلي بإطراءِ الذي مَهْمَا ادَّعَى … مُطْرِيهِ أعربَ عنه بالتَّصْحيحِ

أعني المُسَمَّى باسم أصدقِ واعِد … وَعْداً ذَبيحَ اللَّه خَيْرَ ذبيحِ

للَّه إسماعيلُ جِدْلُ كتَابَة ٍ … أعني أخا شَيْبَانَ لا ابن صَبيحِ

حمل الفَوادحَ فاستقلَّ ومثْلُه … حمل الفوادح غَيْرَ ذي تَبليحِ

ما ضرَّ من زَمَّ الكتابة َ زَمَّة ً … أن كان مَنْبتُهُ بأرض الشِّيحِ

ما ضرَّه أن لم تكن سَمُرَاتُهُ … نَخْلاً يُلَقِّحُهُ ذوو التلقيحِ

حَلَّ العِصَابَ عن الذين يليهُمُ … وأدَرَّ بالإبْساسِ والتَّمْسَيحِ

وأراحَ منْ أهل الفداءِ فأصبحتْ … غاراتُهُمْ مأْمُونَة َ التصبيحِ

إلاَّ يُزَحْ عِلَلَ الرَّعيَّة ِ عَدْلُهُ … فِيهمْ فما شَيْءٌ لها بمُزيحِ

ولقد بلاَهُ إمامه وأميرُه … فكلاهما ألْفَاهُ حَقَّ نَصيحِ

وأراهُ لا يَنْسى الوفاءَ لشدة ٍ … تُنْسي الوفاءَ ولا لفتْرَة ِ ريح

كم ضربة ٍ رَعْلاَءَ بل كم طعنة ٍ … نجلاء بل كم رَمْيَة ٍ إذْبيحِ

خطرتْ بها كفَّاهُ دون إمامِه … في ظلِّ يوْمٍ للأكفِّ مُطيحِ

سائل بذلك عَنْه حربَ المهتدِي … وكباشَهَا من ناطح ونطيحِ

فلتخبرنَّك عن جِلاَدِ مُغَامِسٍ … ولتخبرنَّك عن طِرَادِ مُشِيحِ

ولتخبرنَّك عن نضال مُطَمَّح … باليَثْربيَّة أيمَّا تطميحِ

ممن إذا حَفَزَ السهامَ بِقْوسه … فَحَّتْ أفاعِيهنَّ أَيَّ فحيحِ

أعطى الكريهَة َ حقَّهَا عَنْ غَيْرِهِ … وكفَى كِفَاحَ الموتِ كُلَّ كَفِيحِ

والحربُ تَعْذِمُ بالسيوف مُدِلَّة ً … دَلاًّ على الخُطَّابِ غيرَ مَلِيحِ

صَعْبٍ إذا صَعُبَتْ عليه قرينة ٌ … حَتَّى تُسمِّحَ أيَّمَا تسميحِ

فإذا القرينة ُ سَمَّحَتْ لمْ يُولِها … خُلُقْاً من الأخلاَقِ غيرَ سحيحِ

خُلِقَتْ يداه يَدٌ لتجرَحَ في العدا … ويدٌ لِتَأْسُوَ جُرْحَ كُلِّ جريحِ

وإذا ارْتَأَى رَأياً فأَثْقَبُ ناظِرٍ … نظراً وأبْعَدُهُ مَدَى تطريحِ

تُبْدِي له سِرَّ الغُيُوبِ كَهَانة ٌ … يُوحِي بها رِئْيٌ كَرِئْيِ سطيحِ

سَبَقَتْ بحُنْكتِهِ التجارِبَ فطرة ٌ … كالشَّوكَة ِ اسْتَغْنَتْ عن التنقيحِ

لولا أبُو الصقر الفسيحُ خَلاَئِقاً … أضحى فَسِيحُ الأرض غيرَ فسيحِ

رحُبَتْ به الدنيا على سُكَّانِهَا … من بعدما كانت كَحَظِّ ضريحِ

طَلْقُ المُحَيَّا واليدين سَمَيْدَعٌ … سَهْلُ المَبَاءَة ِ ذو عِراضٍ فِيحِ

نَهَكَ الحياءُ جُفُونَهُ وكلامَهُ … فغدا مريضاً في ثيابِ صحيحِ

لا من قِراف دَنيَّة لكنه … كرم بلا مَذْق ولا تضييحِ

تبدُو لسائِله صَفيحَة ُ وجهه … وكأنها سَيْفٌ بِكَفِّ مُلِيحِ

وكأنَّ فيهِ أرْيَحَيَّة َ نَشْوَة ٍ … من قَهْوَة ٍ تُرْخي الإزارَ قَدِيحِ

أعلى المحامدَ بعدَ رُخْصٍ إنه … يبْتَاعُ كاسدها بِكُلِّ ربيحِ

بذل الكرائمَ في المكارم تاجِرٌ … جَلَّتْ تِجَارَتُهُ عن التَّرْقِيحِ

حَامٍ حَقِيقَهُ مُبِيحٌ مَالَهُ … نَاهيكَ من حَامٍ به ومُبيحِ

يعطي اللُّهَا إعطاءَ سَمْح باللُّهَا … لَحزٍ على الحَسَبِ التّلِيدِ شحيحِ

إلاَّ يُتِحْ صَرْفُ الزمان لمالِهِ … حَيْنا يُتِحْهُ دون كل مُتيح

أضحت حِيَاضُ المُعْطِشينَ بجوده … فَهَفَتْ جَوَانِبُها من التَّطْفِيحِ

وردوا مناهِلَه فَمَاحُوا واسْتَقَوْا … منهن أعذبَ مُسْتَقى ً وَمُمِيح

لو أنه وَسَمَ الرياضَ بجودِهِ … أَمِنَتْ حَدائِقُها من التَّصْوِيحِ

ذو صُورَة ٍ قَمَرِيَّة ٍ بَشَرِيَّة ٍ … تَسْتَنْطِقُ الأفواهَ بالتسبيح

وإذا تأمَّلَ نَفْسَه لمْ يَقْتَصِرْ … منها على التصوير والتَّشْبِيحِ

حتى يُزَيِّنَهَا بزينة ِ ماجدٍ … ليست بتطويقٍ ولا توشيحِ

بَرَعَتْ محاسِنُه فَأَقْسَمَ صادقاً … أنْ لا يُعَرِّضَهُنَّ للتّقْبِيحِ

لكن لِتَلْويح الهَواجِرِ طالباً … إسْفَارَهُنَّ بذلك التلويح

ما زال يبعث بالعُطاس ركابه … ويروع قائلهنَّ بالترويحِ

وتقود كلَّ نَوّى شَطُون هِمَّة ٌ … ونوى الكريم بعيدة ُ التَّطْويحِ

حتى تَعَمَّمَ بالسيادة ناشئاً … ولِذَاكَ رشَّحَهُ ذوو الترشيحِ

عَشِقَ العلا وَعَشقْنَهُ فكأنما … وافى هوى لُبْنَى هوى ابن ذَرِيحِ

وَهَبَتْ له القلمَ المُعلَّى هِمَّة ٌ … رَفَضتْ من الأقلام كلَّ مَنِيحِ

لم أمتدحه لِخلَّة ٍ ألفَيْتُهَا … في مجده فَسَدَدْتُهَا بمَدِيحِ

لكنْ لكْي تَزْهى محاسنُ وصْفِهِ … شعري فيحسُنَ منه كلُّ قبيحِ

خَبَّرْتُ شعري باسمه إنَّ اسمَهُ … في الشِّعْر كالتَّحْبير والتسبيحِ

لما رأيتُ الشعرَ أصبحَ خاملاً … نَبَّهْتُه بفتى أغرَّ صريحِ

لاَ يَضْربُ الركبُ الطلائحَ نحوَهُ … بل باسمه يُزْجونَ كلَّ طَليحِ

تُحْدَى الرِّكابُ بذكره فترى الحصَى … منْ بين مَنْجُول وبين ضَريحِ

وَيَهُزُّ كلُّ مُبَلَّدٍ أعْطافَه … طَرَباً كفعل الشَّارب المِرِّيحِ

مِنْ بعد ما انْتُقيتْ أواخِرُ مُخِّه … وَخَوَتْ مَحَاجرُهُ من التقديحِ

ثِقَة ً بِسَيْبٍ منه ليس يعوقُه … مهما جرى من سَانح وبريحِ

مَلِكٌ إذا الْحاجاتُ شُدَّ عِقَالُهَا … وَثقَتْ لديه بعاجل التسريحِ

مِمَّا تراه الدهْر يُصْدرُ وارداً … عن نَائلٍ قَبْلَ السؤال نجيحِ

يا من إذا التَّعْريضُ صافح سَمْعَهُ … غَنَي العُفاة ُ به عن التصريحِ

أشْكُو إليكَ خَصَاصَة ً وتَجَمُّلاً … قَدْ بَرَّحَا بي أَيمَا تبريحِ

لتَصُونَ وَجْهِي عَن وُجُوهٍ وُقِّحتْ … بالرَّدِّ تَوْقيحاً على توقيحِ

سُئِلَتْ وقد سَالتْ ففي صفحاتها … لِلرَّدِّ تَكْدِيحٌ على تكديح

يا مَنْ أراحَ عَوَازِبَ الشِّعْرِ التي … لَوْلاَهُ أعْزَبَهُنَّ كلُّ مُرِيحِ

أنطَقْتَ مُفْحَمَنَا فأصبحَ شاعِراً … وأَعَرْتَ أَعْجَمَنَا لسانَ فصيحِ

بلُهاً فتحْنَ لُهَا الرجال فَكُلُّهُمْ … ذُو منطقٍ سَلِسٍ عليه سَرِيح

أَحْيَيْتَ ميْتَ الشِّعْر بعدَ ثَوَائِهِ … في الرَّمْسِ تحت جنادلٍ وصفيحِ

حتى لَقال الناسُ فيكَ فأكثروا … هذا المسيح وَلاَتَ حينَ مَسِيحِ