ما كان ريب قبل ريب الحمام – جبران خليل جبران
ما كان ريب قبل ريب الحمام … ببالغ علياء ذاك المقام
شمس توارت بحجاب فيا … للغبن ان تمسي بعض الرغام
من آية النور ولألائها … يا أسفا أن دال هذا الظلام
هل عظة أوفى بلاغا لمن … يحسب دار الحرب دار السلام
يا من بكاها عارفو فضلها … بمقل سالت مسيل الغمام
في ذمة الله كمال التقى … وعفة النفس ورعي الذمام
حسبك فوق الملك جاها على … جاهك إنجابك أسرى همام
فتى سجاياه وأخلاقه … قدمته في الأمراء العظام
ما زال يلقى دهره عالما … وإ تغافى أنه لا ينام
حلاوة الوجدان لم تنسه … مرارة الحرمان منذ الفطام
لا يمنحالعيشة من باله … إن يدن فيها الهم أدنى اهتمام
فيه وفيما حوله لا ترى … إلا حلى نزهن عن كل ذام
بر بك البر جيعا فما … أجدى ولكن رب داء عقام
وهل كحب الم دين به … دان على الدهر البنون الكرام
حب كضوء الصبح فيه الهدى … فيه ري كالندى للأوام
فبوركت أم رؤوم مضت … وبورك ابن عبقري أقام
تناهت الرقة فيه على … ما فيه من بأس وصدق اعتزام
ومثلها يدهش في صائد … للأسد من كل حمى لا يرام
طراق أدغال عليها وما … تنكر من شيء كذاك اللمام
يلوح فالأشبال وثابة … والذعر قيد للسباع الضخام
كواشر الأنياب ما راعها … غلا ثنايا طالع ذي اتبسام
يضحكه من طرب جأرها … وربما أبكاه سجع الحمام
ضدان من لين ومن جفوة … لم يصحبا في المرء إلا التمام
وبعد هل أذكر ما صاغه … يوسف من آي العلى فين ظام
هل أذكر النجدة إن يدعه … مستضعف أو يرجه مستضام
هل أذكر الهمة وهيالتي … تبلغه في المجد أقصى مرام
هل أذكر البذل لرفع الحمى … علما وفنا أو لنفع الأنام
هل أذكر الحب لأوطانه … وفيه كم صرحا مشيدا أقام
يا سيدا في كل بر له … بيض الأيادي والمساعي الجسام
رايك فوق التعزيات التي … تقال مهما يسم وحي الكلام
إن التي تبكي لفي جنة … موردها فيها نعيم الدوام