ما الشوق مقتنعا مني بذا الكمد – المتنبي

ما الشّوْقُ مُقتَنِعاً منّي بذا الكَمَدِ … حتى أكونَ بِلا قَلْبٍ ولا كَبِدِ

ولا الدّيارُ التي كانَ الحَبيبُ بهَا … تَشْكُو إليّ ولا أشكُو إلى أحَدِ

ما زالَ كُلّ هَزيمِ الوَدْقِ يُنحِلُها … والسّقمُ يُنحِلُني حتى حكتْ جسدي

وكلّما فاضَ دمعي غاض مُصْطَبري … كأنْ ما سالَ من جَفنيّ من جَلَدي

فأينَ من زَفَرَاتي مَنْ كَلِفْتُ بهِ … وأينَ منكَ ابنَ يحيَى صَوْلَةُ الأسَدِ

لمّا وزَنْتُ بكَ الدّنْيا فَمِلْتَ بهَا … وبالوَرَى قَلّ عِندي كثرَةُ العَدَدِ

ما دارَ في خَلَدِ الأيّام لي فَرَحٌ … أبا عُبادَةَ حتى دُرْتَ في خَلَدي

مَلْكٌ إذا امْتَلأتْ مَالاً خَزائِنُهُ … أذاقَهَا طَعْمَ ثُكْلِ الأمّ للوَلَدِ

ماضي الجَنانِ يُريهِ الحَزْمُ قَبلَ غَدٍ … بقَلبِهِ ما تَرَى عَيناهُ بَعْدَ غَدِ

ما ذا البَهاءُ ولا ذا النّورُ من بَشَرٍ … ولا السّماحُ الذي فيهِ سَماحُ يَدِ

أيّ الأكُفّ تُباري الغَيثَ ما اتّفَقَا … حتى إذا افْتَرَقَا عادَتْ ولمْ يَعُدِ

قد كنتُ أحْسَبُ أنّ المجدَ من مُضَرٍ … حتى تَبَحْتَرَ فَهوَ اليومَ مِن أُدَدِ

قَوْمٌ إذا أمْطَرَتْ مَوْتاً سُيُوفُهُمُ … حَسِبْتَها سُحُباً جادَتْ على بَلَدِ

لم أُجْرِ غايَةَ فكري منكَ في صِفَةٍ … إلاّ وَجَدْتُ مَداها غايةَ الأبدِ