ما الحبُّ إلاّ موئلُ المتعلّلِ – الشريف المرتضى
ما الحبُّ إلاّ موئلُ المتعلّلِ … وبراعة ُ اللاَّحي وطَوْلُ العُذَّلِ
خدعٌ إذا اصطلتِ النّفوسُ بنارها … لم تبقَ فيها مسكة ُ المتجمّلِ
عدْ بالسّلوِّ على الغرامِ فإنّه … أمدُ المشوقِ وعزّة المتذلّلِ
للَّه قلبٌ ما اطمأنَّ به الهوى … إلاّ تلوّمَ مزمعٍ متحمّلِ
لا تحسبَنْ وُدِّي لأوَّلِ راغبٍ … طوعَ العيونِ ونُهزَة َ المتعجِّلِ
فلطالما أعرضتُ عن وجه الهوى … وثنيتُ عن جهة الغوانى كلكلى
أمّا وقد صبغ المشيبُ ذوائبي … للنّاظرين فلاتَ حينَ تغزُّلِ
وأزالَ من خطرِ المشيبِ تَوجُّعي … علمى بأنْ ليس الشّبابُ بمعقلى
فلئن جزعتُ فكلُّ شيءٍ مجزعي … ولئنْ أمنتُ فشيمَة ُ المسترسلِ
حسبُ الفتى زمنٌ يقرّب صرفهُ … ما بينَ كلِّ إقامة ٍ وتَرحُّلِ
ممّا يُعلُّ الحزمَ إنْ لم يُرْدِهِ … ظفرُ المقيمِ وخيبة ُ المتوغّلِ
جهدُ ” العليمِ ” كعفو آخرِ جاهلٍ … والنّجحُ للسّاعى له والمؤتلى
حَتَّى مَ تأنسُ بالحوادثِ همَّتي؟ … والدَّهرُ يوحشُ ظِنَّة َ المتأمِّلِ
ألقى على الأيّامِ وطأة َ حازمٍ … متكشّفِ الأعضاء خافى المقتلِ
ومتى قدرتُ على الزّمان بسطوة ٍ … فعلى أميرِ المؤمنين توكُّلي
بالطّائع اطَّادَتْ مذاهبُ أُمّة ٍ … فَوْضَى على سُنَنِ النبيِّ المرسلِ
نال الخلافة َ وهى أبعدُ مرتقًى … وأقامَ فيها وهْي أكرمُ منزلِ
كملتْ أداة ُ المجد فيهِ وربَّما … كَمَلَتْ رياسة ُ مُخدَجٍ لم يكمُلِ
شِيَمٌ تَبَلَّجُ للعيون وتَنْثني … طرقاتها تدجو على المتقيّلِ
متفاوتُ الطَّعْمينِ أَرْيٌ في فم الـ … ـعافى وللباغى نقيعُ الحنظلِ
كرمٌ تبوَّأ في ظِلالِ شراسة ٍ … كالماء يرتع فى فقار المنصلِ
وإذا تسرّع فى بداية ِ عزمهِ … أخزى بهنّ رويّة َ المتمهّلِ
ماضٍ كحدِّ السَّيفِ إلاّ أنَّهُ … لم تثنِ جرأته جزالة ُ ” مفصلِ “
إنْ همّ لم تعقِ الهوينى همّه … كالسّيلِ يلحق محزناً بالمسهلِ
وَكَلوا إليه عُرا الأمور وإنَّما … وَكَلوا السَّماحَ إلى الغمامِ المُسبِلِ
عاذوا بمنخرقِ اليمين مضاؤه … يكفى ” العفاة َ ” ذريعة َ المتوسّلِ
فإذا سَرَوْا فسناهُ أشرقُ كوكبٍ … وإذا صَدَوْا فنداهُ أعذبُ منهلِ
غيرانُ يدفع عن قرارة ِ دينهمْ … دَفْعَ الأسودِ عن العرينِ المُشبِلِ
متسرِّعٌ للطّالبين إلى الجَدا … ثَبْتُ المقامة ِ في المقامِ الأهولِ
وإذا سألتَ فلم تغالِ ولم تخبْ … وإنْ اشتطَطْتَ أخذتَ ما لم تسأَلِ
نأتِ الظُّنون فليس يهجسُ لامرىء ٍ … فطنٍ من المعروفِ ما لم يفعلِ
وإذا تزاحمتِ الهموم بصدره … جَلَّى غَيابَتَها بهمَّة ٍ فَيصلِ
قلقُ البصيرة ِ إنْ سرتْ أفكاره … ظفرتْ بما خلفِ القضاءِ المسدلِ
سامى ” البنيّة ِ ” فى المكارمِ أسكنتْ … منه الخلافة ُ فى معمٍّ مخولِ
كم قد تجاذَبها الرِّجالُ فلم تَنُخْ … إلاّ على البيتِ الأَعزِّ الأطولِ
لبّتْ نداءكمُ وكم من هاتفٍ … ما سَوَّغَتْه إِصاخة َ المُتَقَبِّلِ
أفضتْ إلى الكنف الخصيب فطالما … كانتْ تقلّبُ فى الخبارِ الممحلِ
لم تلتئمْ بأكفّكمْ حتّى رأتْ … تصديعكمْ فيها رءوس الزّمّلِ
يفديكَ مَن شَرِقتْ بمجدك نفسُه … شرقَ المذانبِ بالغوادى الهطّلِ
رويتْ بفيص نوالك الخضل النّدى … ” فتبوّعتْ ” فى بشرك المتهلّلِ
ولقد بلوك على الزّمان فصادفوا … عَضْباً غنيّاً عن يمين الصَّيْقَلِ
لا يبعدُ اللهُ انْصلاتك للعِدا … عجلاً تدهده جحفلاً فى جحفلِ
مُتوقِّداً في هَبْوَتي ذاك الدُّجى … متهجّماً فى ضيقِ ذاك المدخلِ
إذْ لا جرىء َ البأسِ إلاّ محجمٌ … حيرانُ يخبطُ حَيْرة ً بتأمُّلِ
والخيلُ قد عفَّى النَّجيعُ حُجولها … حتى لأشكل مطلقٌ بمحجّلِ
ولكمْ رميتَ أخا مروقٍ هزّه … أَشَرُ الجِماحِ بعزمة ٍ كالمِسْحَلِ
لا تستقلُّ بماضِغَيْهِ فتنكفي … إلاّ وغاربه ضجيعَ الجندلِ
أَمُساوري الأضغانِ هل من غاية ٍ … ما طالَها؟ أم فاضلٍ لم يفضُلِ؟
لا تُحرجوهُ بالعُقوقِ فتأخذوا … من سخطه بزمام أمرٍ معضلِ
ملاّكمُ البالَ الرّخى َّ وكنتمُ … ثاوين بين ” تلدّدٍ ” وتقلقلِ
أطغاكُمُ خَفضُ الأناة ِ ودونها … نقمٌ تعدّل ” جانبَ ” المتزيّلِ
ما غرّكمْ إلاّ تغاضى خادرٍ … مُتيقِّظِ العزماتِ عادي الأنصُلِ
إنْ يغتفرْ لا ينتقمْ أو ينتقمْ … لا يصطلمْ أو يصطلمْ لا ينكلِ
خَلّوا السَّبيلَ لشمسِ كلِّ دُجُنَّة ٍ … كثفتْ وموضحِ كلِّ خطبٍ مشكلِ
يا كاليءَ الإسلامِ ممَّن رامَهُ … ومقيمَ أحكامِ الكتاب المنزلِ
أقصَى مُرادي أنْ أَراكَ وإنَّها … أمنية ٌ حسبى بها لمؤمّلِ
تتساقط الحاجات عند بلوغها … عن كلّ قلبٍ بالعلاءِ موكّلِ
هل لى إلى الوجه المحجّبِ نظرة ٌ … ترمي بِصيتي فوقَ ظهرِ الشَّمْأَلِ؟
أجْلوا بها صدأَ الشُّكوكِ إذا اعترتْ … دونى وأسكن ظلّها فى المحفلِ
أُثني وما هذا الثَّناءُ لمجتَدٍ … فلذاك أبعدُ عن مقالِ المبطلِ
لا درَّ درُّ الانتجاعِ فإنّه … دَنَسٌ لثوبِ المعتفي والمفضلِ
هيهات يبلغك المديحُ وإنّما … أحظَى بفضل الجاهد المُتَغلغلِ
أسلفتنى النّعماءَ فى أهلى معاً … فمتى ينوءُ بعبء حقِّك مِقْوَلي؟
ومددتَ من ضبعى ْ أبى فتركته … يزرى بمنزلة ِ السّماكِ الأعزلِ
أوطأته قللَ العداة وإنّها … قُلَلٌ مؤهَّلَة ٌ لوقعِ الأرجلِ
لمّا استطارَ البغيُ في آنافِهمْ … وتَنَكَّبوا سُنَنَ السَّبيل الأمثلِ
أمطرتهمْ غلواءَ بأسٍ ردّهمْ … يتدارسونَ بلاغة َ المتنصِّلِ
لم يَغْنِ إنْ دبُّوا بعذرٍ بعدَها … ركبوا بذنبِهُم قوادمَ أجدَلِ
لا زلتَ تَستقضي الدُّهورَ مُحكَّماً … فى النّائباتِ منيعَ ظهرِ المعقلِ