ماساة الصبي الأعرج – محمد القيسي
سيّدتي حين أطلت عليك المشوار
في إحضار الخضرة والفاكهة من السوق
لم تسألني عيناك الأسباب
بل صفعتني نظرتك الشزراء
لم يخطر في بالك أنّ الأولاد الأشرار
لاقوني في الدرب
هزؤا من قدمي العرجاء
فتعثّرت
واعتصر الحزن القلب
سيّدتي ما كنت لأملك دفعا
سيّدتي يكفيني صفعا .
سيّدتي هذا الصبح المغبّر الطالع
قمّطني في ثوب الأحزان
صادفت أبي يتسوّل في الشارع
أخبرني أنّ شقيقتي الكبرى تضع الآن
و شقيقتي الكبرى أرملة من أيام
فتذّكرت البيت الخاوي من أيّ طعام
ما عادت تغسل أمي للجيران
ما عادت تحضر معها بعض الفضلات
حين صرخت أبي فرّت من عينيه الدمعات
وأسودّ العالم في نظري
ماتت كلّ الكلمات
وبكينا فوق رصيف الشارع
سيّدتي لست بكذّاب
لكّني منحوس الطالع
توصد في وجهي الأبواب
حتى بابك يا سيّدتي
سيّدتي عفوك إني جائع
ما كنت لأقصد بابك هذي الأمسية
كنت وحيدا في الشارع
قالت أمي ما أفطرنا بعد ،
والوقت مساء
عزّ على نفسي أن تسأل عطف الناس عطاء
فوجدت يدي تطرق بابك
سيّدتي أنا فقراء
سيّدتي باع أبي فرشته الصوف
وربابته المحفوظة من عهد صباه
ثمنا لحليب حفيده
فلقد ماتت يا سيّدتي الأم
إثر نزيف
دام طويلا ، عذّبها ، عذّبها
ما استطعنا أن نحضر أيّ طبيب يبعد عنها الداء
سيّدتي نحن أناس فقراء
ماتت يا سيّدتي وأبي صامت
كان يفكّر في حزن ، يتساءل ، ولماذا ماتت ؟
قالت أمي : تلك مشيئته العليا
ردّ أبي في ثورة
صكتا ، صمتا
أيّة عليا يا مخلوقة
بنتك ماتت جوعا
ماذا قدّمت لها حين ولادتها غير الخبز الناشف ؟
والمرق الساخن والعدس المجروش ؟
ماذا قدّمت لها غير الأحزان ؟
وبكت أمي في صمت مجنون أخرس
سيّدتي جئت إليك الآن
أسألك الرحمة سيّدتي باسم الإنسان
سيّدتي هذا اليوم السابع
ووعودك لم تزهر يا سيّدتي
ما زالت تسّاقط أمطارا ، وتمّنيني بالصبر
وأنا ما زلت ألفّ دروب التيه ، أنا ما زلت الضائع
لم ترو الأمطار غليل الظامىء
فيلوذ بظلّ الخيبة سيّدتي ، لا يدرك ما هو صانع .
سيّدتي درت كثيرا في الطرقات
وبحثت عن اللقمة سيّدتي فعملت بإحدى الحانات
أجلي الكاسات
وأنظّف أرض الصالة بعد خروج السادات
سيّدتي لكنّ الأيام السوداء
تأبى إلاّ أن تستكمل أبعاد المأساة
ذات مساء
وأنا أعمل والصالة رقص وغناء
إنشقّ الماء
عن شبح لصبيّ يتسوّل بين الناس
أحسست بأني وحدي المقرور
في قبضة هذا الليل المسعور
فارتجفت أوصالي
وتذكّرت أبي ،
أمي ،
أختي ،
فاضت عيناي بأحزاني
غامت كلّ الأشياء
وتهاوت من بين يديّ الكأس
كسرت ،
وصفعت ، طردت ، وعادت تحضنني الطرقات
لم أحزن يا سيّدتي لكن ،
ما زال يرنّ بأسماعي صوت حاقد
أخرج ، أخرج
سيّدتي ما ذنبي في أنّي أعرج ؟
من حقّي سيّدتي أن أحيا .
لا يوجد تعليقات حالياً