لي صاحِبٌ قد لا مَني، وزادا، – ابن المعتز

لي صاحِبٌ قد لا مَني، وزادا، … في تَركِيَ الصَّبوحَ ثمّ عَادا

وقال: لا تَشرَبُ بالنّهارِ، … وفي ضِياءِ الفَجرِ والأسحارِ

إذا وشى بالليلِ صبحٌ ، فافتضحْ ، … وذكّرَ الطّائِرَ شَجوٌ، فصَدَحْ

و النجمُ في حوضِ الغروبِ واردُ ، … و الفجرُ في إثرِ الظلامِ طاردُ

ونَفَّضَ اللّيلُ على الوَرد النّدى ، … وحرّكتْ أغصانَهُ رِيحُ الصَّبا

و قد بدتْ فوقَ الهلالِ كرتهُ ، … كهامة ِ الأسودِ شابَتْ لِحيتُه

فنَوّرَ الدّارَ بِبعضِ نورِهِ، … و الليلُ قد أزيحَ من ستورهِ

وقَدّتِ المَجَرّة ُ الظّلامَا، … تحسبها في ليلها ، إذا ما

تنفسَ الصبحُ ، ولما يشتعل ، … بينَ النجومِ مثلَ فرقِ مكتهلِ

وقال: شُرْبُ الليلِ قد آذانَا، … و طمسَ العقولَ والأذهانا

وشكتِ الجنُّ إلى إبليسِ ، … لأنهمْ في أضيقِ الحبوشِ

أما تَرَى البُستانَ كيفَ نَوّرَا، … و نشرَ المنثورُ برداً أصفرا

و ضحك الوردُ على الشقائقِ ، … و اعتنقَ القطرَ اعتناقَ الوامقِ

في روضة ٍ كَحُلّة ِ العَروسِ، … و خدمٍ كهامة ِ الطاووسِ

و يا سمينٍ في ذرى الأغصانِ ، … مُنتظِماً كقِطَعِ العقيانِ

والسّروُ مثلُ قِطَعِ الزّبَرْجدِ، … قد استمَدَّ الماءَ من تُرْبٍ نَدي

وفَرشَ الخشخاشُ جَيباً وفَتق، … كأنه مصاحفٌ بيضُ الورق

حتى إذا ما انتشَرَتْ أوْرَاقُهُ، … و كادَ أن يرى إلينا ساقه

صارَ كأقداحٍ منَ البلورِ ، … كأنما تجسمتْ من نورِ

وبعضُه عُرْيانُ من أثوابهِ، … قد أخجلَ الأعينَ من أصحابه

تبصرهُ بعدَ انتشارِ الوردِ ، … مثلَ الدبابيسِ بأيدي الجندِ

و السوسنُ الآزرُ منشورُ الحلل ، … كقطنٍ قدْ مسهُ بعضُ البلل

نورَ في حاشيتيْ بستانهُ ، … و دخلَ البستانُ في ضمانه

و قدْ بدتْ فيهِ ثمارُ الكبرِ ، … كأنّها حمائمٌ منْ عَنبَرِ

وحلّقَ البهارُ فوْقَ الآسِ، … جمجمة ٌ كهامة ِ الشماسِ

حبالُ نَسيجٍ مثلُ شَيبِ النَّصفِ، … وجوهرٌ من زَهَرٍ مُخْتَلِفِ

وجلّنارٌ مثلُ جَمرِ الخَدَّ، … او مثلُ أعرافِ ديوكِ الهِندِ

والأقْحُوانُ كالثّنايا الغُرّ، … قد صقلت نوارها بالقطرِ

قُلْ لي: أهذا حسنٌ بالليلِ، … وَيليَ ممّا تشتهي وعَولي

وأكثرَ الفُصُولَ والأوْصَافا، … فقلتُ: قد جنّبْتُكَ الخِلافا

بتْ عندنا ، حتى إذا الصبحُ سفرْ ، … كأنّهُ جدولُ ماءٍ مُنفجِرْ

قمنا إلى زادٍ لنا معدَّ ، … و قهوة ٍ صراعة ٍ للجلدِ

كأنّما حَبابُها المنثورُ، … كواكبٌ في فَلَكٍ تدُورُ

ولا تَقُلْ لقدْ ألِفتُ مَنزِلي، … فتُفسِدَ القولَ بعُذرٍ مُشكِلِ

فقال: هذا أوّلُ الجُنونِ، … متى ثوى الضبُّ بوادي النونِ

دعوتُكمْ إلى الصَّبوحِ ثمّ لا … أكونُ فيه، إذ أجبتم ، أولا

لي حاجة ٌ لا بدّ من قضائها ، … فتستريحُ النفسُ من عنائها

ثمّ أجي والصبحَ في عنانِ ، … مِن قبلِ أن يُبدَأ بالآذانِ

ثمّ مضى يعدُ بالبكورِ ، … وهَزّ رأسَ فَرِحٍ مَسْرُورِ

فقمتُ منه خائفاً مرتاعا ، … وقلتُ: ناموا، ويحَكم، سِراعا

ونحنُ نُصْغي السمعَ نحوَ البابِ، … فلم نَجِدْ حِسّاً مِن الكَذّابِ

حتى تَبَدّتْ حُمرة ُ الصّباحِ، … وَأوجعَ النّدمانَ سوطُ الرّاحِ

وقامتِ الشّمسُ على الرّؤوسِ، … و ملكَ السكرُ على النفوسِ

جاءَ بوَجْهٍ بارِدِ التّبَسُّمِ، … مفتضحٍ لما جنى مدممِ

يَعْثُرُ وَسَطَ الدّارِ منْ حيَائِه، … و يكشفُ الأهدابَ منْ ورائه

تعَطعَطَ القَوْمُ به حتى بَدَر، … و افتتحَ القولَ بعي وحصر

لتأخذَ العينُ من الرقادِ … حظاً إلى تعلية ِ المنادي

فمسحتْ جنوبنا المضاجعا ، … و لم أكنْ للنومِ قبلُ طائعا

ثُمّة َ قُمنا والظلامُ مُطرِقُ، … والطّيرُ في أوكارِها لا تَنطِقُ

وقد تَبَدّى النّجمُ في سوَادِه، … كَحُلّة ِ الرّاهبِ في حِدادِه

وقال: يا قومُ اسمعوا كلامي، … لا تُسرِعوا ظُلماً إلى مَلامي

فجاءَنا بقِصّة ٍ كذّابَه، … لمْ يفتحِ القلبُ لها أبوابه

فعذرَ العنينَ يومَ السابعِ ، … إلى عروسٍ ذاتِ حظً ضائعِ

قالوا: اشرَبوا فقلتُ: قد شَرِبنا، … أتيتنا ، ونحنُ قد سكرنا

فلمْ يزل من شأنهِ منفردا ، … يرفعُ بالكأسِ إلى فيهِ يدا

والقوْمُ من مُستَيقِظٍ نَشوَانِ، … أو غرقٍ في نومهِ وسنانِ

كأنهُ آخرُ خيلِ الحلبه ، … له من السواسِ ألفُ ضربه

مجتهداً كأنهُ قد أفلحنا ، … يطلعُ في آثارها مفتحا

فاسمَع، فإنيّ للصَّبوحِ عائَبُ، … عِنديَ من أخبارِهِ العَجائِبُ

إذا أردتَ الشُّرْبَ عند الفَجْرِ، … و النجمُ في لجة ِ ليلٍ يسري

و كانَ بردٌ بالنسيمِ يرتعدْ ، … و ريقهُ على الثنايا قد جمدْ

وللغُلامِ ضَجرَة ٌ وهَمهَمه، … وشَتمة ٌ في صَدرِه مُجمجمه

يمشي بلا رجلٍ من النعاسِ ، … ويدفُقُ الكأسَ على الجُلاّسِ

و يلعنُ المولى ، إذا دعاهُ ، … ووجهُهُ إن جاءَ في قَفاهُ

و غن أحسّ من نديمٍ صوتا ، … قال مجيباً طعنة ٍ وموتا

و إن يكنْ للقومِ ساقٍ يعشقُ ، … فجفنُهُ بجفنِهِ مُدَبِّقُ

ورَأسُهُ كمِثلِ فَرقٍ قد مُطِر، … و صدغه كالصولحانِ المنكسر

أعجَلَ مِن مِسواكه وزينتِه، … و هيئة ٍ تنظرُ حسنَ صورته

… محمولة ٍ في الثوبِ والأعطافِ

كأنما عضّ على دماغِ ، … متهمُ الأنفاسِ والأرفاغ

فإن طردتَ الكأسَ بالسنورِ ، … وجِئتَ بالكانونِ والسَّمّورِ

فأيُّ فضلٍ للصبوحِ يعرفُ ، … على الغَبوقِ، والظلامُ مُسدِفُ

يَحُسُّ من رِياحهِ الشمائلِ، … صوارماً ترسبُ في المفاصلِ

وقد نَسيتُ شرَرَ الكانُونُ، … كأنهُ نثارُ ياسمينِ

يرمي بهِ الجمرُ إلى الأحداقِ ، … فإنْ ونى قرطسَ في الآماقِ

و تركَ النياطَ بعدَ الخمدِ ، … ذا نقطٍ سودٍ كجلد الفهدِ

وقطّعَ المَجلِسَ في اكتئابِ، … و ذكرِ حرقِ النارِ للثيابِ

ولم يَزَلْ للقوْمِ شُغلاً شاغِلا، … و اصبحتْ جبابهمْ مناخلا

حتى إذا ما ارتفعتْ شمسُ الضّحى … قيل : فلانٌ وفلانٌ قد أتى

و ربما كانَ ثقيلاً يحتشم ، … فطَوّل الكَلاَمِ حِيناً وجشَم

… و زالَ عنا عيشنا اللذيذا

ولستُ في طول النّهارِ آمِنا، … ما حادِثٍ لم يَكُ قبلاً كائنا

أو خبرٍ يكرهُ ، أو كتابِ … يَقطَعُ طيبَ اللهِو والشّرابِ

فاسمَعْ ألى مَثالِبِ الصَّبوحِ، … في الصيفِ قبلَ الطائرِ الصدوحِ

حينَ حلا النومُ وطابَ المَضْجعُ، … وانحَسَرَ اللّيلُ، ولَذَّ المَهجَعُ

وانهَزَمَ البَقُّ وكنّ رُتّعاً، … عَلى الدّماءِ وارداتٍ شُرَّعا

من بعد ما قد أكلوا الأجسادا، … وطيّرُوا عنِ الوَرَى الرّقادا

فقربِ الزادَ إلى نيامٍ ، … ألسنهمْ ثقيلة ُ الكلامِ

من بعدِ أن دبّ عليهِ النملُ ، … وَحَيّة ٌ تَقذِفُ سُمّاً، صِلُّ

و عقربٌ ممدودة ٌ قتالهُ ، … وجُعَلٌ، وفارَة ٌ بَوّالَه

و للمغني عارضٌ في حلقهِ ، … ونفسُه قد قدحَت في حِذقِهِ

و إن أردتَ الشربَ عند الفجرِ ، … والصّبحُ قد سَلّ سيوفَ الحرّ

فساعة ٌ ، ثمّ تجيكَ الدامغه ، … بنارها ، فلا يسوغُ شائغه

ويَسخُنُ الشّرابُ والمِزاجُ، … ويكثُرُ الخِلافُ والضُّجاجُ

مِن مَعشرٍ قد جَرَعوا حَمِيماً، … و طعموا من زادهم سموما

و غيمت أنفاسهم أقداخهم ، … و عذبت أقداحهم أرواحهم

وأولِعوا بالحَكّ والتّفرّكِ، … و عصبُ الآباطِ مثلُ المرتكِ

وصارَ رَيحانُهُم كالقَتِّ، … فكلُّهم لكلّهم ذو مَقْتِ

وبَعضُهم يمشي بِلا رِجلَينِ، … وأذُنٍ كحُقّة ِ الدَّباقِ

وبعضُهُم مُحَمَرّة ٌ عيناهُ، … من السمومِ محرقٌ خداهُ

وبعضُهم عندَ ارْتفاعِ الشْمسِ … يحسّ جوعاً مؤلماً للنّفسِ

فإن أسرّ ما بِهِ تَهوُّسا، … ولم يُطِقْ من ضُعفِهِ تَنَفُّسا

و طافَ في أصداغهِ الصداعُ ، … ولمْ يكُنْ بمِثْلِهِ انْتِفاعُ

وكَثُرتْ حِدّتُهُ وضَجَرُه، … وصارَ كالحُمّى يطيرُ شَرَرُه

وهمّ بالعَرْبَدة ِ الوَحْشِيّه، … و صرفَ الكاساتِ والتحيه

وظهَرَتْ مَشَقّة ٌ في حَلقِه، … و ماتَ كلُّ صاحبٍ من فرقه

و إن دعا الشقيُّ بالطعامِ ، … خَيّطَ جَفنَيه على المَنامِ

وكلّما جاءت صلاة ٌ واجبه، … فسا عليها ، فتولت هاربه

فكَدّرَ العيشَ بيَوْمٍ أبْلَقِ، … أقطاره بلهوهِ لم تلتقِ

فمن أدامَ للشقاءِ هذا … من فعلهِ، والتذّه التِذاذا

لم يلفَ إلاّ دنسَ الأثوابِ ، … مهوساً ، مهوسَ الأصحابِ

فازدادَ سهواً وضنى وسقما ، … و لا تراهُ الدهرَ إلاّ قدما

… و ذا يريدُ مالهُ وحرمتهْ

ذا شاربٍ وظفرٍ طويلِ ، … يُنغّصُ الزّادَ علَى الأكيلِ

و مقلة ٍ مبيضة ِ المآقي ، … و أذنٍ كحقمة ِ الدباقِ

وجسدٍ عليه جِلدٌ من وَسَخ، … كأنه أشربَ نفطاً ، أو لطخ

تخالُ تحتَ ابطِه، إذا عَرِق، … لِحيَة َ قاضٍ قد نَجا مِن الغَرَق

و ريقهُ كمثلِ طوقٍ من أدم ، … وليسَ من ترْكِ السّؤال يحتَشِم

في صدره من واكفٍ وقاطر … كأثرِ الذرقِ على الكنادرِ

هذا كذا وما تركتُ أكثرُ، … فجَرِّبُوا ما قُلتُهُ، وفَكِّرُوا