لي صاحبٌ قد كنتُ آمُلُ نفعَهُ – ابن الرومي
لي صاحبٌ قد كنتُ آمُلُ نفعَهُ … سَبقتْ صواعقُهُ إليَّ صبيبَهُ
رجَّيْتُهُ للنائبات فساءني … حتى جعلتُ النائباتِ حسيبَهُ
ولَما سألتُ زمانَهُ إعناتَهُ … لكن سألتُ زمانه تأديبَهُ
وعسى معوِّجُهُ يكونُ ثِقَافَهُ … ولعلَّ مُمرضَهُ يكونُ طبيبَهُ
يا من بذلتُ له المحبة َ مخلصاً … في كلّ أحوالي وكنتُ حبيبهُ
ورعيتُ ما يرعى ومِلتُ إلى الذي … وردَتْهُ همتُهُ فكنتُ شَريبَهُ
شاركتُهُ في جِدِّهِ ورأيتُهُ … في هزله كُفْوي فكنتُ لعيبَهُ
أيامَ نسرحُ في مَرَادٍ واحدٍ … للعلم تنتجعُ القلوبُ غريبَهُ
وكذاك نشرع في غديرٍ واحدٍ … يصف الصفاءُ لوارديه طِيبَهُ
أَيسوؤُني مَنْ لم أكنْ لأسوءَهُ … ويُريبني من لم أكن لأُريبَهُ
ما هكذا يرعى الصديقُ صديقَهُ … ورفيقَهُ وشقيقَهُ ونسيبَهُ
أأقولُ شعراً لا يُعابُ شبِيهُهُ … فتكونَ أوّلَ عائبٍ تشبيبَهُ
ما كلُّ من يُعطَى نصيبَ بلاغة ٍ … يُنسيهِ من رَعْي الصديقِ نصيبَهُ
أَنَفِسْتَ أن أمررتُ عند خَصَاصة ٍ … سببَ الثراءِ وما وردتُ قليبَهُ
إني أَراك لدى الورود مُواثبي … وإذا بدا أمرٌ أراك عقيبَهُ
ولقد رَعَيْتَ الخِصبَ قبلي برهة ً … ورعيتُ من مرعى المعاشِ جديبَهُ
فرأيتُ ذلك كلَّه لك تافهاً … وسخطتُ حظَّك واحتقرتُ رغيبَهُ
شهد الذي أبْديتَ أنك كاشحٌ … لكنَّ معرفتي تَرَى تكذيبَهُ
وإذا أرابَ الرأيُ من ذي هفوة ٍ … ضمنتْ إنابة ُ رأيهِ تأنيبَهُ
ولقد عَمِرْتُ أظنُّ أنك لو بدا … منّي مَعيبٌ لم تكن لتعيبَهُ
نُبِّئْتُ قوماً عابني سفهاؤُهُمْ … وشهدتَ مَحْفِلَهُمْ وكنتَ خطيبَهُ
عابوا وعبْتَ بغير حقٍ منطقاً … لو طال رميُك لم تكن لتصيبَهُ
ونَكِرتُمُ أنْ كان صدرُ قصيدة ٍ … ذِكْرَايَ غُصْنَ مُنعَّمٍ وكثيبَهُ
فكأنكم لم تسمعوا بمُشَبِّهٍ … قبلي ولم تتعودوا تصويبَهُ
الآنَ حين طلعتُ كلَّ ثَنيَّة ٍ … ووطئتُ أبكارَ الكلامِ وَثيبَهُ
يتعنتُ المتعنِّتُون قصائدي … جَهِلَ المرتِّبُ منطقي ترتيبَهُ
الآنَ حين زَأَرْتُ واستمع العدا … زأْري وأَنذرَ كَلْبُ شَرٍّ ذِيبَهُ
يتعرض المتعرضون عداوتي … حتى يُهِرَّ ليَ المُهِرُّ كَلِيبَهُ
الآنَ حين سبقتُ كلَّ مسابقٍ … فتركتُ أسرعَ جريهِ تقريبَهُ
يتكلَّفُ المتكلفون رياضتي … لِيُطِلْ بذاك مُعَجِّبٌ تعجيبَهُ
وَهَبِ القضاءَ كما قضيتَ ألم يكنْ … في محضِ شِعري ما يجيز ضريبَهُ
هلاَّ وقد ذُوِّقْتَ دَرَّ قريحتي … فذممتَ حَازِرَهُ حَمَدْتَ حليبَهُ
بل هبه عيباً لا يجوز ألم يكن … من حق خِلِّكَ أن تحوط مغيَبهُ
فتكونَ ثَمَّ نصيرَهُ وظهيرَهُ … وخصيم عَائِب شِعْرِهِ ومُجِيبَهُ
بل ما رضيتَ له بتركِك نصرَهُ … حتى نَعَبْتَ مع السَّفِيهِ نعيبَهُ
فَثَلَبْتَ معنى محسِّنٍ وكلامَهُ … ثلباً جعلتَ كَبَدْيِهِ تعقيبَهُ
حتى كأنك قاصدٌ تعويقَهُ … عمَّا ابتغاهُ وطالبٌ تخييبَهُ
وأمَا وما بيني وبينَكَ إنَّهُ … عهدٌ رعيْتُ بعيدَهُ وقريبَهُ
لولا كراهة ُ أن أُملِّكَ شهوتي … قهرَ الصديقِ محبتي تلبيبَهُ
أو أن أجاوزَ بالعتاب حدودَهُ … فأكونَ عائبَ صاحبٍ ومَعيبَهُ
سيَّرتُ قافية ً إليك غريبة ً … مَنْ سيَّرَتْهُ تضمنتْ تغريبَهُ