لوى ابن أبي الرقراق عينيه بعدما – الفرزدق

لَوَى ابنُ أبي الرّقْراقِ عَيْنَيْهِ بَعدما … دَنَا مِنْ أعَالي إيلِيَاءَ وَغَوّرَا

رَجَا أنْ يَرَى مَا أهْلُهُ يُبْصِروُنَهُ … سُهَيْلاً، فَقَدْ وَارَاهُ أجْبَالُ أعفَرَا

فكُنّا نَرَى النّجْمَ اليَمانيَّ عِنْدَنَا … سُهَيلاً فحالَتْ دُونَهُ أرْضُ حِميرَا

وَكُنّا بِهِ مُسْتَأنِسِينَ كَأنّهُ … أخٌ أوْ خَلِيطٌ عَنْ خَليطٍ تَغَيّرَا

بَكَى أنْ تَغَنّتْ فَوْقَ سَاقٍ حمامةٌ … شَآمِيّةٌ هَاجَتْ لَهُ فَتَذَكّرَا

وَأضْحَى الغَواني لا يُرِدْنَ وِصَالَهُ، … وَبَيْنَا تَرَى ظِلَّ الغِيَايَةِ أدْبَرَا

مَخابىءَ حُبٍّ مِنْ حُمَيدَةَ لمْ يزَلْ … بِهِ سَقَمٌ، مِنْ حُبّها، إذْ تَأزّرَا

فَلَوْ كانَ لي بالشّأمِ مثلُ الذي جَبَتْ … ثَقِيفٌ بِأمْصَارِ العِرَاقِ، وَأكْثَرَا

فَقِيلَ: أتِهِ لمْ آتِهِ، الدّهْرَ، مَا دَعَا … حَمَامٌ عَلى سَاقٍ هَدِيلاً فقَرْقَرَا

تَرَكْتُ بَني حَرْبٍ وَكانُوا أئِمَّةً، … وَمَرْوَانَ لا آتِيهِ، وَالمُتَخَيَّرَا

أبَاكَ، وَقَدْ كان الوَليدُ أرَادَني … لِيَفْعَل خَيْراً أوْ لِيُؤمِنَ أوْجَرَا

فَمَا كُنْتُ عَن نَفسي لأرْحلَ طائعاً … إلى الشّأمِ حتى كنتَ أنتَ المُؤمَّرَا

فلَمّا أتَاني أنّهَا ثَبَتَتْ لَهُ … بِأوْتَادِ قَرْمٍ، مِنْ أُمَيّةَ، أزْهَرَا

نَهَضْتُ بِأكْنَافِ الجَناحَينِ نَهضَةً … إلى خَيرِ أهلِ الأرْض فرْعاً وعُنصرَا

فَحُبُّكَ أغْشَاني بِلاداً بَغِيضَةً … إليّ، وَرُومِيّاً بِعَمّانَ أقْشَرَا

فلَوْ كنتُ ذا نَفسَينِ إنْ حَلّ مُقبِلاً … بإحْداهما مِنْ دونِكَ المَوْتُ أحمَرَا

حَيِيتُ بأُخْرَى بَعْدَهَا إذْ تجَرّمَتْ … مَداها عَسَتْ نَفسي بها أنْ تُعَمَّرَا

إذاً لَتَغَالَتْ بِالفَلاةِ رِكَابُنَا … إلَيْكَ بنا يَخْدِينَ مَشْياً عَشَنزَرَا