لقد رأينا عَجَباً من العَجَبْ – ابن الرومي

لقد رأينا عَجَباً من العَجَبْ … بين جُمادى وجُمادى ورجَبْ

مِنْ ذَنَبانيٍّ تعدّى طورَهُ … فاجتمع الذَّنْبُ عليه والذَنَبْ

عِلْجٌ ترقَّى رتبة ً فَرُتْبة ً … ولم يكن أهلاً لهاتيك الرُّتبْ

فزلَّ من تلك المراقي زَلة ً … أصبح منها مُشفياً على العطبْ

وهكذا كلُّ ارتقاءٍ في العلا … قريبُ عهدٍ بارتقاءٍ في الكُربْ

خَوَّله اللَّهُ فلم يشكر له … ولن ترى شكراً لمدخول النسبْ

فسلّط اللَّهُ عليه جهلَهُ … فكان في تدميرهِ أقوى سببْ

أقبل جيشٌ لا يريد حربَهُ … فارتاع روعاً يعتري أهلَ الرِّيبْ

وساء ظناً بوزير لم يَخُن … عهداً وهل يصدأ مكنونُ الذهبْ

فلم يدع أمراً يقودُ حتفَهُ … إلاَّ أتاهُ جاهداً ثم اضطربْ

كان كمن خافَ حريقاً واقعاً … فزاد فيه حطباً على حَطَبْ

أَخْلِقْ بأن تغشاهُ منه قطعة ٌ … يأتي عليه لفحُها دون اللّهَبْ

انظرُ إليهِ وإلى تدبيرهِ … فإنَّ فيه عجباً من العَجَبْ

روَّعَ طفلاً لم يكن ترويعُهُ … من المُداراة ولا أخذِ الأُهبْ

وأسخطَ السادة َ سُخطاً ساقَهُ … تلقاءَهُ سُخطٌ من اللَّه وَجَبْ

ثم رأى أنْ لم يُوفَّقْ رأيُهُ … فأطلقَ الطفلَ وأمسى في رَهَبْ

فهو مقيمٌ بين خوفٍ وردى … مما أتى أو بين خوف وحَرَبْ

وهكذا الجاهلُ قِدماً لم يزل … من جهلِهِ في تَعبٍ وفي نصبْ

قد اشترى طولَ سهادٍ بكَرى ً … وقد شَرى طولَ هدوءٍ بتعبْ

شَبَّهْتُ دعواه القيامَ بالذي … قُلِّد من أمرٍ بدعواه العربْ

قد قلتْ إذ خُبِّرتُ عن تبليحهِ … وأنه في زفراتٍ وكُرَبْ

بُعْداً لمن أصبح من أحوالهِ … في صَعَدٍ عالٍ وأمسى في صَبَبْ

ما فعلتْ خيلٌ له قد ضُمِّرتْ … أما لَديها هربٌ ولا طَلَبْ

بل جُبنُهُ يمنعُها إقدامَها … وحَيْنُهُ يمنعه من الهربْ

ما أقبح النَّعماءَ يُكْسَى ثوبَها … وأحسنَ النعماءَ عنه تُستَلبْ

ما كان ما أعطِيَهُ من كسبِهِ … لكنهُ فارقَهُ بما اكتسبْ

يا غامِطَ النعمة أيقِنْ أنها … قد غَضِبَ اللَّه لها كلَّ الغضبْ

ولن ترى اللَّه ولياً لامرىء ٍ … عادى أبا الصقر الوزير المُنتَجَبْ

وكلُّ من عادى مُحقاً مقبلاً … فإنه من أمره في وَ كَتَبْ

والحمد للَّه العظيم شأنُه … على الذي أبلَى وأَوْلى وَوَهَبْ