لقد حازني وجد بمن حازه بعد – المتنبي
لقَد حازَني وَجْدٌ بمَنْ حازَهُ بُعْدُ … فيَا لَيْتَني بُعدٌ ويا لَيتَهُ وَجْدُ
أُسَرّ بتَجديدِ الهَوَى ذِكْرَ ما مضَى … وإنْ كانَ لا يَبقَى له الحجرُ الصّلدُ
سُهادٌ أتانا منكِ في العَينِ عِنْدَنَا … رُقادٌ وقُلاّمٌ رَعَى سَرْبُكمْ وَرْدُ
مُمَثَّلَةٌ حتى كأنْ لمْ تُفارِقي … وحتى كأنّ اليأسَ من وَصْلكِ الوَعدُ
وحتى تَكادي تَمْسَحينَ مَدامعي … ويَعْبَقُ في ثَوْبيَّ من رِيحِكِ النَّدُّ
إذا غَدَرَتْ حَسناءُ وفّتْ بعَهدها … فمِنْ عَهدِها أن لا يَدومَ لها عَهدُ
وإنْ عَشِقَتْ كانتْ أشَدّ صَبابَةً … وإن فَرِكتْ فاذهبْ فما فِركها قَصدُ
وإنْ حقَدَتْ لم يَبقَ في قَلبِها رِضًى … وإنْ رَضِيَتْ لم يَبقَ في قَلبِها حِقدُ
كذلِكَ أخلاقُ النّساءِ ورُبّمَا … يَضِلُّ بها الهادي ويخفى بها الرّشدُ
ولكنّ حُبّاً خامَرَ القَلْبَ في الصِّبَا … يَزيدُ على مَرّ الزّمانِ ويَشْتَدُّ
سَقَى ابنُ عَليٍّ كلَّ مُزنٍ سقَتكمُ … مُكافأةً يَغْدو إلَيْها كمَا تَغدُو
لتَرْوَى كمَا تُرْوي بلاداً سكَنْتِها … ويَنْبُتَ فيها فَوْقَكِ الفَخرُ والمجدُ
بمن تَشخَصُ الأبصارُ يوْمَ رُكوبِهِ … ويُخْرَقُ من زَحْمٍ على الرّجلِ البُرْدُ
وتُلْقي وما تَدري البَنانُ سِلاحَها … لكَثْرَةِ إيماءٍ إلَيْهِ إذا يَبدُو
ضَرُوبٌ لهامِ الضّارِبي الهامِ في الوَغى … خَفيفٌ إذا ما أثقَلَ الفَرسَ اللِّبْدُ
بَصِيرٌ بأخذِ الحَمدِ من كلّ مَوْضِعٍ … ولَوْ خَبَأتْهُ بَينَ أنْيابِها الأُسْدُ
بتَأميلِهِ يَغنى الفَتى قَبْلَ نَيْلِهِ … وبالذّعْرِ من قبلِ المهنّدِ يَنْقَدُّ
وسَيْفي لأنْتَ السّيفُ لا ما تَسُلّهُ … لضرْبٍ وممّا السّيفُ منهُ لكَ الغِمدُ
ورُمْحي لأنْتَ الرّمحُ لا ما تَبُلّهُ … نجيعاً ولوْلا القَدحُ لم يُثقِبِ الزَّنْدُ
منَ القاسِمينَ الشّكرَ بَيني وبَينَهمْ … لأنّهُمُ يُسدَى إلَيهِمْ بأنْ يُسدُوا
فشُكري لهم شُكرانِ: شكرٌ على النّدى … وشكرٌ على الشّكرِ الذي وَهبوا بَعْدُ
صِيامٌ بأبْوابِ القِبابِ جِيادُهُمْ … وأشْخاصُها في قَلبِ خائِفِهمْ تَعدُو
وأنْفُسُهُمْ مَبْذولَةٌ لوُفُودِهم … وأموالهُمْ في دارِ مَنْ لم يَفِدْ وَفْدُ
كأنّ عَطِيّاتِ الحُسَينِ عَساكِرٌ … ففيها العِبِدَّى والمُطَهَّمَةُ الجُرْدُ
أرَى القمرَ ابنَ الشّمسِ قد لبسَ العُلى … رُوَيْدَكَ حتى يَلْبَسَ الشّعَرَ الخَدُّ
وغالَ فُضُولَ الدّرْعِ مِن جَنَباتها … على بَدَنٍ قَدُّ القَنَاةِ لَهُ قَدُّ
وباشَرَ أبْكارَ المَكارِمِ أمْرَداً … وكانَ كَذا آباؤهُ وهُمُ مُرْدُ
مَدَحْتُ أباهُ قَبْلَهُ فشَفَى يَدي … مِنَ العُدم مَنْ تُشفَى به الأعينُ الرُّمدُ
حَبَاني بأثْمانِ السّوابِقِ دونَهَا … مَخافةَ سَيرِي إنّها للنّوَى جُنْدُ
وشَهْوَةَ عَوْدٍ إنَّ جُودَ يَمينِهِ … ثُنَاءٌ ثُنَاءٌ والجَوادُ بها فَرْدُ
فلا زِلْتُ ألقَى الحاسِدينَ بمِثْلِها … وفي يدهم غَيضٌ وفي يديَ الرِّفْدُ
وعِندي قَباطيّ الهُمَامِ ومَالُهُ … وعندَهُمُ ممّا ظَفِرْتُ بهِ الجَحدُ
يَرومُونَ شأوي في الكَلامِ وإنّمَا … يحاكي الفتى فيما خَلا المَنطقَ القِرْدُ
فَهُمْ في جُموعٍ لا يراها ابنُ دأيَةٍ … وهم في ضَجيجٍ لا يُحسّ به الخلدُ
ومني استفادَ النّاسُ كُلَّ غَريبَةٍ … فجازوا بتَرْكِ الذّمّ إن لم يكنْ حمدُ
وجَدْتُ عَليّاً وابنَهُ خيرَ قوْمِهِ … وهم خيرُ قوْمٍ واستوَى الحُرُّ والعبدُ
وأصْبَحَ شِعري منهُما في مكانِهِ … وفي عُنُقِ الحَسْناءِ يُستَحسنُ العِقدُ