لعلي قرارة بالعراء – جبران خليل جبران

لعلي قرارة بالعراء … هي في الأرض قطعة من سماء

بات فيها وقد توجه لله … حنيفا بوجهه الوضاء

وافر الأنس حيث قر وحيدا … باختلاف الملائك الأمناء

جسد عند منتهى ظلم الدهر … وروح في مزدهي الأضواء

يا أبا صير من قرى غرب مصر … بت سرا لله في الودعاء

بين ما فيك من زري المغاني … شيد بيت سما إلى الجوزاء

بعلي غدوت دار المعالي … ومزار العفاة والأمراء

بالنبيه النزيه عن كل كبر … بت أحرى البلاد بالكبرياء

كرم الله في الحياة عليا … وبه قد كرمت في الأرجاء

بالسري المبجل المنزلاوي … سري الأجداد والآباء

بالتقي النقي من كل عيب … كعبة الفضل قدوة الأتقياء

بالذي لم يجئه وحي ولكن … لم تفته خلائق الأنبياء

كرم جاوز الأماني حتى … قصرت عنه سابقات الرجاء

وحياء على الشجاعة ناهيك … بخلقي شجاعة وحياء

كان في قومه صلاحا وإصلاحا … فعاشوا في عفة ورخاء

صان أعراضهم وصان حماهم … من فساد وضلة وشقاء

عاش فيهم كأنما هو منهم … وهو لو شاء عد في الأولياء

أرصد العمر للهدى وتولى … كاغتماد الشهاب في الظلماء

مخلفا نجله الكريم عليا … للمروءات والندى والوفاء

يا أبا المجد ليس مثلك ميتا … وعلي فتاه في الأحياء

فتمل النعماء خالدة في … جنة صبحها بغير مساء