لحق اليوم بالرفقا أمين – جبران خليل جبران
لحق اليوم بالرفقا أمين … كيف يسلو هذا الفؤاد الحزين
يا أليفي من الصبا هل تلت … أفراحنا الذاهبات إلا الشجون
أين جولاتنا وأين الدعابات … وأين الهوى وأين الفتون
أين تلك الآمال غب الدراسات … وفيها الحجى وفيها الجنون
رام كل منا مراما من العيش … إذا شط قربته الظنون
لست أنى وقد أجيزلك الطب … وزانت لك المنى ما تزين
قلت هذا بتي سألحق بالجيش … فإما العلى وإما المنون
قلت يا صاحبي أتقحم بيدا … تتلظى والحرب فيها زبون
قلت إني خلقت للسعي في الأرض … وما بي إلى السكون سكون
ونهجت النهج الذي اخترت لا تشنيك … عنه أخطاره والدجون
فتمنتطقت بالسلاح ولكن … لا لما تطبع السلاح القيون
رحت تأسو جرحى وتشفي مراسا … تترامى الربى بهم والحزون
وتوقيهم الردى وتريهم … معجزات الانقاذ كيف تكون
بعد حرب السودان والعود منه … جد شان هانت لديه الشؤون
جلجلت دعوة العروبة فاهتز … لها من به إليها حنين
وتنادى حماتها وتلاقى … في السرايا من بالوفاء يدين
فشددت الرحال في نضرة القوم … وقد عز في الجهاد المعين
وقضيت العوام في نقل تقسو تصاريها … وآنا تلين
ذت أحداثها تمر وتحلو … في ظروف حديثهن شجون
فبلغت المنى العصية ابلعزم … وذو العزم بالنجاج قمين
واثابت بغداد مسعاك إذ … بت وفيها لك المكان المكين
ما توطنت ناعم البال حتى … كاد كيدا لك الزمان الخؤن
نزلت علة بجسمك لم يقو عليها … وهو البناء المتين
فوهى الهيكل المنيع ولكن … سلم الجوهر الرفيع الحصين
فتفرغت للتآليف يمليها … ضمير حي وذهن رصين
أين شغل الديوان مما أفاد الشرق … ذاك التحبير والتدوين
كم كتاب أبحث فيه كنوزا … كان في الغيب ذخرها المكنون
يا بني مصر يا بني العرب إن العهد … دين والحفظ للعهد دين
الفريق المقدام والعامل العامل … والكاتب الديب المبين
هل توفيه حقه مرثيات … أو ويوفيه حقه تأبين
بان عن موقع اللحاظ محياه … ولكن نوره لا يبين
فليخلد في قلب كل شكور … ذلك الصادق الوفي الأمين
يا صديقا فجعت فيه وإني … لم أخل أنه وشيكا يؤون
إن قبرا تزار فيه لروض … قد كساه الريحان والنسرين
فإذا اخطأ السحاب ثراه … نضرته بما سقته العيون
لا يرد القضاء حزن جزوع … كل من عاش بالقضاء رهين