لا يقيمنَّ على الضَّيمِ الأسدْ – أحمد شوقي

لا يقيمنَّ على الضَّيمِ الأسدْ … نزعَ الشِّبلُ من الغابِ الوتدْ

كبرَ الشِّبلُ ، وشبَّتْ نابه … وتغطَّى منكباه باللِّبد

اتركوه يمشِ في آجامه … ودَعوه عن حِمَى الغابِ يَذُد

واعرضوا الدنيا على أَظفارِه … وابعثوه في صحاراها يَصِد

فِتيَة َ الوادي، عَرَفْنا صَوْتكم … مرحباً بالطائرِ الشادي الغرد

هو صوتُ ، الحقِّ ، لم يبغِ ، ولم … يحمل الحقدَ ، ولم يحفِ الحسدَ

وخلا من شهوة ٍ ما خالطت … صالحاً من عملٍ إلا فسد

حَرَّك البلبلُ عِطفيْ رَبْوَة ٍ … كان فيها البومُ بالأيْكِ آنفرد

زَنْبَقُ المُدْن، ورَيحانُ القُرَى … قام في كلِّ طريقٍ وقَعد

باكراً كالنّحل في أسرابها … كلُّ سِربٍ قد تلاقى واحتشد

قد جنى ما قلَّ من زهْ الرُّبا … ثم أعطى بل الزهر الشهد

بسط الكفَّ لمن صادفه … ومَضى يَقْصُرُ خطْواً ويَمُدّ

يجعلُ الأَوطانَ أُغنِيَّتَه … وينادي الناسَ: منْ جادَ وجد

كلَّما مرَّ ببابٍ دَقَّه … أو رأى داراً على الدرب قصدْ

غادياً في المدْنِ، أَو نحوَ القرى … رائحاً يسأَل قِرشاً للبلد

أيها الناسُ، اسمعوا، أصغوا له … أخرجوا المال إلى البرِّ يعدْ

لا ترُدُّوا يَدَهم فارغة ً … طالبُ العونِ لمصرٍ لا يردّ

سيرى الناسُ عجيباً في غدٍ … يغرسُ القرشُ، ويَبني، ويَلِدْ

ينهض اللهُ الصناعات به … من عثارٍ لبثتْ فيه الأبد

أو يزيد البرَّ داراً قعدتْ … لكفاح السلِّ، أو حربِ الرَّمد

وهوَ في الأيدي، وفي قدرتها … لم يضقْ عنه ولم يعجزْ أحد

تلك مصرُ الغدِ تبني مُلكها … نادت الباني وجاءَت بالعُدَدْ

وعلى المالِ بَنتْ سلطانَها … ثابتَ الآساسِ مرفوعَ العَمَد

وأصارتْ بنكَ مصرٍ كهفها … حبَّذا الركنُ وأعظمْ بالسند

مَثلٌ مِن هِمَّة ٍ قد بَعُدَتْ … ومداها في المعالي قد بَعُد

ردَّها العصرُ إلى أسلوبه … كلُّ عصرٍ بأساليبَ جدد

البنونَ استنهضوا آباءهم … ودعا الشبلُ من الوادي الأسد

أصبحت مصرُ، وأضحى مجدها … هِمَّة الوالدِ، أَو شُغلَ الولد

هذه الهمَّة ُ بالأمس جرتْ … فحَوَتْ في طلبِ الحقّ الأَمد

أَيُّها الجيلُ الذي نرجو لِغدْ … غدك العزُّ، ودنياك الرغد

أنت في مدرجة السيلِ، وقد … ضلَّ مَنْ في مَدْرجِ السيلِ رَقد

قدْت في الحقِّ، فقدْ في مثلهِ … من نواحي القصدِ أَو سُبْل الرشد

رُبَّ عامٍ أَنت فيه واجدٌ … فادَّخرْ فيه لعامٍ لا تجِدْ

علمِ الآباءَ، واهتف قائلاً: … أيها الشعبُ، تعاونْ واقتصد

اجمعِ القرشَ إلى القرشِ يكنْ … لك من جمعهما مالٌ لُبَدْ

اطلبِ القطنَ، وزاوِلْ غيرَه … واتخذْ سوقاً إذا سوقٌ كسدْ

نحن قبل القطن كنّا أُمّة ً … تهبِط الوادي، وتَرْعَى ، وتَرِدْ

قد أخذنا في الصناعات المدى … وبنينا في الأوالي ما خلد

وغزلنا قبلَ إدريسَ الكسا … ونسجْنا قبلَ داوُدَ الزَّرَد

إن تكُ اليوم لواءً قائداً … كم لواءٍ لك بالأمسِ انعقد‍‍‍‍‍‍