لا تحسبوا ربعكم ولا طلله – المتنبي

لا تَحْسَبوا رَبعَكُمْ ولا طَلَلَهْ … أوّلَ حَيٍّ فِراقُكُمْ قَتَلَهْ

قَد تَلِفَتْ قَبْلَهُ النّفوسُ بكُمْ … وأكثرَتْ في هَواكُمُ العَذَلَهْ

خَلا وفيهِ أهْلٌ وأوْحَشَنَا … وفيهِ صِرْمٌ مُرَوِّحٌ إبِلَهْ

لوْ سارَ ذاكَ الحَبيبُ عن فَلَكٍ … ما رضيَ الشّمسَ بُرْجُهُ بَدَلَهْ

أُحِبّهُ والهَوَى وأدْؤرَهُ … وكُلُّ حُبٍّ صَبابَةٌ ووَلَهْ

يَنصُرُها الغَيثُ وهيَ ظامِئَةٌ … إلى سِواهُ وسُحْبُها هَطِلَهْ

واحَرَبَا مِنكِ يا جَدايَتَهَا … مُقيمَةً، فاعلَمي، ومُرْتَحِلَهْ

لَوْ خُلِطَ المِسْكُ والعَبيرُ بهَا … ولَستِ فيها لَخِلْتُها تَفِلَهْ

أنا ابنُ مَن بعضُهُ يَفُوقُ أبَا الـ … ـباحِثِ والنَّجلُ بعضُ من نَجَلَهْ

وإنّما يَذْكُرُ الجُدودَ لَهُمْ … مَنْ نَفَرُوهُ وأنْفَدوا حِيَلَهْ

فَخْراً لعَضْبٍ أرُوحُ مُشْتَمِلَهْ … وسَمْهَرِيٍّ أرُوحُ مُعْتَقِلَهْ

وليَفْخَرِ الفَخْرُ إذْ غدَوْتُ بهِ … مُرْتَدِياً خَيْرَهُ ومُنْتَعِلَهْ

أنا الذي بَيّنَ الإلهُ بِهِ الـ … ـأقْدارَ والمَرْءُ حَيْثُما جَعَلَهْ

جَوْهَرَةٌ تَفْرَحُ الشِّرافُ بهَا … وغُصّةٌ لا تُسِيغُها السّفِلَهْ

إنّ الكِذابَ الذي أُكَادُ بِهِ … أهْوَنُ عِنْدي مِنَ الذي نَقَلَهْ

فَلا مُبَالٍ ولا مُداجٍ ولا … وانٍ ولا عاجِزٌ ولا تُكَلَهْ

ودارِعٍ سِفْتُهُ فَخَرَّ لَقًى … في المُلْتَقَى والعَجاجِ والعَجَلَهْ

وسامِعٍ رُعْتُهُ بقافِيَةٍ … يَحارُ فيها المُنَقِّحُ القُوَلَهْ

ورُبّما أُشْهِدُ الطّعامَ مَعي … مَن لا يُساوي الخبزَ الذي أكَلَهْ

ويُظْهِرُ الجَهْلَ بي وأعْرِفُهُ … والدُّرُّ دُرٌّ برَغْمِ مَنْ جَهِلَهْ

مُسْتَحْيِياً من أبي العَشائِرِ أنْ … أسْحَبَ في غَيرِ أرْضِهِ حُلَلَهْ

أسْحَبُها عِنْدَهُ لَدَى مَلِكٍ … ثِيابُهُ مِنْ جَليسِهِ وَجِلَهْ

وبِيضُ غِلْمانِهِ كَنائِلِهِ … أوّلُ مَحْمُولِ سَيْبِهِ الحَمَلَهْ

ما ليَ لا أمْدَحُ الحُسَينَ ولا … أبْذُلُ مِثْلَ الوُدِّ الذي بَذَلَهْ

أأخْفَتِ العَينُ عندَهُ أثَراً … أمْ بَلَغَ الكَيْذُبانُ ما أمَلَهْ

أمْ لَيسَ ضَرّابَ كلّ جُمجمَةٍ … مَنْخُوّةٍ ساعةَ الوَغَى زَعِلَهْ

وصاحِبَ الجُودِ ما يُفارِقُهُ … لَوْ كانَ للجُودِ مَنْطِقٌ عَذَلَهْ

وراكِبَ الهَوْلِ لا يُفَتِّرُهُ … لَوْ كانَ للهَوْلِ مَحْزِمٌ هَزَلَهْ

وفارِسَ الأحْمَرِ المُكَلِّلَ في … طَيِّءٍ المُشْرَعَ القَنَا قِبَلَهْ

لمّا رأتْ وَجهَهُ خُيُولُهُمُ … أقْسَمَ بالله لا رأتْ كَفَلَهْ

فأكْبَرُوا فِعْلَهُ وأصْغَرَهُ؛ … أكبَرُ مِنْ فِعْلِهِ الذي فَعَلَهْ

القاطِعُ الواصِلُ الكَميلُ فَلا … بَعضُ جَميلٍ عن بَعضِهِ شَغَلَهْ

فَواهِبٌ والرّماحُ تَشْجُرُهُ … وطاعِنٌ والهِباتُ مُتّصِلَهْ

وكُلّما أمّنَ البِلادَ سَرَى … وكلّما خِيفَ مَنْزِلٌ نَزَلَهْ

وكُلّما جاهَرَ العَدُوَّ ضُحًى … أمكَنَ حتى كأنّهُ خَتَلَهْ

يَحْتَقِرُ البِيضَ واللِّدانَ إذا … سَنّ علَيهِ الدِّلاصَ أوْ نَثَلَهْ

قد هَذَبَتْ فَهْمَهُ الفَقاهَةُ لي … وهَذّبَتْ شِعريَ الفَصاحَةُ لَهْ

فصِرْتُ كالسّيفِ حامِداً يَدَهُ … لا يحمدُ السّيفُ كلَّ من حَمَلَهْ