كيف ببيت قريب منك مطلبه – الفرزدق

كَيْفَ بِبَيْتٍ قَرِيبٍ مِنْكَ مَطلَبُهُ … في ذاكَ مِنكَ كنائي الدّارِ مَهجُورِ

دَسّتْ إليّ بِأنّ القَوْمَ إنْ قَدَرُوا … عَلَيْكَ يَشفُوا صُدوراً ذاتَ توْغيرِ

إلَيْكَ مِنْ نَفَقِ الدَّهْنَا وَمَعْقُلَةٍ … خاضَتْ بِنا اللّيلَ أمثالُ القَراقِيرِ

مُسْتَقْبِلينَ شَمالَ الشّأمِ تَضْرِبُنا … بحاصِبٍ كنَديفِ القُطنِ مَنْثُورِ

عَلى عمائِمنَا يُلْقَى وَأرْحُلِنَا، … عَلى زَوَاحِفَ نُزْجِيها مَحَاسِيرِ

إني وَإيّاكِ إنْ بَلّغْنَ أرْحُلَنَا، … كمَن بَوَاديهِ بعَدَ المَحلِ ممطُورِ

وفي يمينِكَ سَيْفُ الله قَدْ نُصِرَتْ … عَلى العَدُوّ، وَرِزْقٌ غَيْرُ مَحْظُورِ

وَقَدْ بَسَطْتَ يَداً بَيْضَاءَ طَيّبَةً … للنّاسِ مِنكَ بفَيْضٍ غَيرِ مَنزُورِ

يا خَيْرَ حَيٍّ وَقَتْ نَعْلٌ لَهُ قَدَماً، … وَمَيّتٍ، بَعْدَ رُسْلِ الله، مَقْبُورِ

إني حَلَفْتُ، ولَمْ أحْلِفْ على فَنَدٍ، … فِنَاءَ بَيْتٍ مِنَ السّاعينَ مَعمُورِ

في أكْبَرِ الحَجّ حافٍ غَيرَ مُنْتَعِلٍ … مِنْ حَالِفٍ مُحرِمٍ بالحَجّ مَصْبورِ

بالباعِثِ الوَارِثِ الأمْوَاتِ قَد ضَمِنتْ … إيّاهُمُ الأرْضَ بالدّهرِ الدّهارِيرِ

إذا يَثُورُونَ أفْوَاجاً كَأنّهُمُ … جَرَادُ رِيحٍ من الأجداثِ مَنشورِ

لَوْ لَمْ يُبَشِّرْ بِهِ عِيسَى وَبَيَّنَهُ، … كُنْتَ النّبيَّ الّذي يَدعُو إلى النُّور

فأنْتَ، إذْ لَمْ تَكُنْ إيّاهُ، صَاحبُهُ … مَعَ الشّهِيدَينِ وَالصِّدِّيقُ في السُّورِ

في غُرَفِ الجَنّةِ العُلْيَا التي جُعِلَتْ … لَهُمْ هُناكَ بِسَعْيٍ كانَ مَشكُورِ

صَلّى صُهَيْبٌ ثَلاثاً ثُمّ أنْزَلَهَا … على ابنِ عَفّانَ مُلْكاً غَيرَ مَقصُورِ

وَصِيّةً مِنْ أبي حَفْصٍ لِسِتّتِهمْ … كَانُوا أحِبّاءَ مَهْدِيٍّ وَمَأمُورِ

مُهَاجِرِينَ رَأوْا عُثْمَانَ أقْرَبَهُمْ … إذْ بَايَعُوهُ لهَا وَالبَيْتِ والطُّورِ

فَلَنْ تَزَالَ لَكُمْ، وَالله أثْبَتَهَا … فيكُمْ، إلى نَفخَةِ الرّحمَنِ في الصُّورِ

إني أقُولُ لأصْحَابي، وَدُونَهُمُ … مِنَ السّمَاوَةِ خَرْقٌ خاشعُ القُورِ:

سيرُوا، ولاَ تَحْفِلُوا إتْعابَ رَاحِلَةٍ، … إلى إمَامٍ بِسَيْفِ الله مَنْصُورِ

إني أتَاني كِتَابٌ كُنْتُ تَابِعَهُ … إليّ مِنْكَ، وَلَمْ أُقْبِلْ مَعَ العِيرِ

ما حَمَلَتْ نَاقَةٌ مِنْ سُوقَةٍ رَجُلاً … مِثْلي، إذا الرّيحُ لَفّتْني على الكُورِ

أكْرَمُ قَوْماً وَأوْفَى عِنْدَ مُضْلِعَةٍ … لمُثْقَلٍ مِنْ دِمَاءِ القَوْمِ مَبْهُورِ

إلاّ قُرَيْشاً، فَإنّ الله فَضّلَهَا … معَ النّبُوّةِ بالإسْلامِ وَالخِيرِ

مِنْ آلِ حَرْبٍ، وَفي الأعياصِ مَنزِلهم، … هُمْ وَرّثُوكَ بِنَاءً عَاليَ السُّورِ

حَرْبٌ وَمَرْوَانُ جدّاكَ اللّذا لَهُمَا … مِنَ الرّوَابي عَظِيمَاتُ الجَمَاهيرِ

تَرَى وُجُوهَ بَني مَرْوَانَ تَحْسِبُهَا، … عِنْدَ اللّقاءِ، مَشُوفاتِ الدّنانيرِ

الضّارِبينَ على حَقٍّ، إذا ضَرَبُوا … يَوْمَ اللّقَاءِ، وَلَيْسُوا بالعَوَاوِيرِ

غَلَبْتُمُ النّاسَ بالحَقّ الّذي لَكُمُ … عَلَيْهِمُ وَبِضَرْبٍ غيرِ تَعْذِيرِ

إنّ الرّسُولَ قَضَاهُ الله رَحْمَتَهُ … للنّاسِ، وَالنّاسُ في ظَلْماءَ دَيجُورِ

لَقَدْ عَجِبْتُ مِنَ الأزْديّ جَاءَ بِهِ … يَقُودُهُ للمَنَايَا حَيْنُ مَغْرُورِ

حَتى رَآهُ عِبَادُ الله في دَقَلٍ … مُنَكَّساً، وَهْوَ، مَقْرُونٌ بخِنْزِيرِ

لَلسُّفْنُ أهْوَنُ بَأساً إذْ تُقَوِّدُهَا … في المَاءِ مَطْلِيَّةَ الألْوَاحِ بِالْقِيرِ

وَهُمْ قِيَامٌ بِأيْدِيهِمْ مَجَادِفُهُمْ … مُنَطَّقِينَ عُرَاةً في الدَّقَارِيرِ

حتى رَأَوْا لأبي العَاصِي مُسَوَّمَةً، … تَعْدُو كَرَادِيسَ بالشُّمّ المَغَاوِيرِ

مِنْ حَرْبِ آلِ أبي العاصِي إذا غضِبوا … بِكلّ أبْيَضَ كالمِخْرَاقِ مأثُورِ

اخْسَأْ كُلَيْبُ، فإنّ الله أنْزَلَكُمْ … قِدْماً مَنَازِلَ إذْلالٍ وَتَصْغِيرِ