كفى صدوداً فما أبقى تجافينا – مصطفى صادق الرافعي
كفى صدوداً فما أبقى تجافينا … منا ولا الدمعُ أبقى من مآقينا
تطيرُ نفسي من ذكراكَ خافقةً … على ليالٍ توافينا وتسبينا
إذ الزمانُ طليقُ الوجهِ مبتسمٌ … خضرَ الجوانبِ تسقيها أمانينا
كانتْ بها نسماتُ العتبِ راقصةٌ … تهزُّ من حبِّنا فيها رياحينا
لا يمددُ الدهرُ بعدَ اليومِ لي يدَهُ … فما سوى الهمِّ أمسى بينَ أيدينا
وأدمعٍ في زمامِ الحبِّ جارية … ما كنَّ لم يرضَها الحبُ يجرينا
صيرتَ هذي الدراري من عواذِلِنا … ومطلعُ الشمسِ فيها من أعادينا
مرَّ الزمانُ الذي كانتْ فجائِعهُ … تُخطى وهذا زمانٌ ليسَ يخطينا
وفرقَ الدهرُ شملاً كانَ يجمعُنا … فما لذا الدهرِ مُغرىً بالمحبينا
من مبلغُ الفجرَ إذ قامتْ نواديهُ … أنَّا بجنحِ الدجى ينعاهُ ناعينا
كانتْ ليالي الهوى تفترُّ ضاحكةً … عنهُ فبِتْنَ عليَّ اليومَ يبكينا
وكانَ فيهِ جمالٌ من نضارتِنا … وفي محياهُ صفوٌ من تصافينا
أيامَ لم ندرِ أن البدرَ حاسدُنا … على الهوى وضياءُ الفجرِ واشينا
تدورُ في كأسنا صرفٌ مشعشعةٌ … من وردةِ الخدِّ حينا واللُّمى حينا
والنجمُ في نشوةٍ مما ينادمنا … والحليُ في طربٍ مما يُغنينا
يا حاجةَ النفسِ لا تصغي لذي حسدٍ … فما لقينا من الأيامِ يكفينا
كأنها لم تصنَّا في جوانحها … ولم تكنْ بسوادِ القلبِ تُفدينا
ولم نبتْ ليلةً كالروضِ حاليةٍ … نجني بها من صنوفِ اللهوِ ماشينا
والبينُ ظمآنٌ لم تحسبْ عواذلنا … إن الدموعَ سترويهِ وتظمينا
فيا ليالٍ ذكرناها وأكبُدنا … مقطعاتٌ عليها في حوانينا
قد سالَ بعدكِ ما كنا نُكَفْكِفُهُ … وجاذبتنا النوى من كانَ يُسلينا
لا في الأسى راحةٌ مما نغالبهُ … من البعادِ ولا يغني تأسينا
إذا نسيمُ الصبا رقتْ جوانبهُ … على متونِ الروابي راحَ يصبينا
تهيجُ رياهُ من ذكرى الديارِ هوىً … وربما ذكروا بالمسكِ دارينا
ما فيهِ إلا تحايا العاشقينَ إلى … الغيدِ الأوانسِ والعتبى أفانينا
وكم ينم بأنفاسٍ تحملَها … فيها الحياةُ ولكن ليسَ يحيينا
سلي الظلامَ إذا شابتْ ذوائبهُ … من هولِ ما بتُّ ألقى من تنائينا
ألاحتِ الشمسُ تغرِي العاذلينَ بنا … كليلةُ الطرفِ أم راحتْ تحيينا
لقد عدتنا عوادينا وكيفَ بنا … إذا عدتنا عن اللقيا عوادينا
نبيتُ والهجرُ في الآفاقِ ينشرنا … كأننا لم نبتْ والوصلُ يطوينا
قالتْ رأيتكَ مجنوناً فقلتُ لها … لولا هواكِ لما كنا مجانينا
يا طلعةَ الشمسِ غابتْ بعدما طلعتْ … وظبيةُ القاعِ لم ترجعْ لوادينا
هل شاغلتكِ عواد ما تشاغلنا … وباتَ يلهيكَ أنسٌ ليسَ يلهينا
إن كان سهلاً على اللهِ تفرقنا … فليسَ صعباً عليهِ أن يلاقينا