كساؤك ما يكسوك أهلك في مصر – جبران خليل جبران
كساؤك ما يكسوك أهلك في مصر … وسترك هذا إن حرصت على الستر
أتحرث أرضا في ابتغاء نباتها … تكابد ما يشقي من البرد والحر
تصبر في ري وصرف وخدمة … دراك على عيش أمر من الصبر
فإن حل ما أعطاك ربك من جنى … جاء لما أنفقت فيه من العمر
رميت بحر المال مرمى زراية … كأنك تلقيه جزافا إلى البحر
فتعدل بالأصداف ما رحت مزجيا … وتبذل فيه عائدا ثمن الدر
أجل كان حق العلم ما هو غانم … من الجهل والتفريط لم يخل من عذر
ولكن عصرا في الأباطيل جزته … تقضي بما فيه وصرت إلى عصر
فلم يبق إلا رعيك النعمة التي … أصبت ولم تجهد بشيء من الشكر
بثوبك من نسج الحمى تخدم الحمى … ونفسك موفور الكرامة والأجر
أطلعت حرب العالم العامل الذي … له ما له من كل مفخرة بكر
أرى المدح أوفى المدح ليس بمجزيء … أقل جزاء من مآثرك الكثر
جمعت شتات الشرق بالرأي واليا … عن السيف ما لم يستطعه من الأمر
وأدركت في العلياء أبعد غاية … ليقظان داجي الهم متقد الفكر
سبيلك نفع الناس توليه شاملا … وتخلصه بدءا وعودا من الضر
وحولك أعلام يكاد نظامهم … يدور مدار الشمس والأنجم الزهر
إذا ما ذكرنا كل أروع نابه … من النخبة المثلى ومقتحم جسر
فمن للمعالي في الرجال كمدحت … ومنزله من ندوة المجد في الصدر
ومن كفؤاد للحصافة والحجى … ومن كفؤاد للوفاء وللبر
ألا أيها المصر الصناعي رعتنا … ولسنا تغالي إن دعوناك بالمصر
فكم بك من صرح بآخر ممسك … وكم بك من قصر مضاف إلى قصر
رأينا بك الأوهام وهي حقائق … كأنا نرى سحرا وما هو بالسحر
إذا ما التقى أهلوك فالساح أبحر … أو افترقوا فالسبل نهر إلى نهر
ألوف رجال كادحين وصبية … من الفتية اللدن المثقفة السمر
طوائف تجني من حديدك شهدها … كما تجتنيه النحل من ناصر الزهر
قصاراهم كفيل برزقهم … وما نفع علم ضرعه غير ذي در
ويدري فتاهم أين مطلب قوته … إذا جامعي زاغ عنه ولم يد
طعامهم لون ولكن ميسر … ومشربهم عذب بلا رنق يجري
لك الله كم كسرا جبرت وخلة … سترت وكم خير أأدلت من الشر
ليومك يوم فيه للفتح غرة … جلت وجه الاستقلال مبتسم الثغر
يطالعها راجي الفلاح لقومه … فيدرك سر الفوز في مكمن السر
إذا المصنع الأهلي عز فإنه … بناء عزيز الشأن للوطن الحر
ولم أر نصرا أجل مغبة … وأيسر في التكليف من ذلك النصر
لمصر إذا استكفت كفاء بنفسها … ففيم الرضى من وافر الخير بالنزر
إذا ما تقاضى الغرب جزية بيعه … أليس يؤدي الشرق جزية ما يشري
مزارعكم ضاقت بطلاب رزقها … وصارت قراكم بعد يسر إلى عسر
حذار من الفقر المنيخ بكلكل … فما من مذل للأعزاء كالفقر
تواصوا بمصنوعاتكم تكملوا بها … جنى الريف من نقص مؤد إلى الخسر
بكم قوة مذخورة إن رشدتم … بتصريفها حولتم غير الدهر
نظمت لكم نصحي وفي صدق نصحكم … لأنفسكم مغن عن النظم والنثر
وإني معيذ عزمكم من تردد … إذا هو لم تحفزه طنطنة الشعر
هلموا اشهدوا صبت النجاح وقد بدا … مبينا يحيي بالتيمن والبشر
وقولوا بجهر للمسرين ريبهم … أفي الشمس ريب بعد رائعة الفجر
إذا ما تناسى بعضكم فضل بعضكم … فأي مصير للحمى يا أولي الذكر
أتى بنك مصر كل ما تشهدونه … فهل من أمين لا يزكيه في مصر