قولوا لهذا الرشإ الهاجر – مصطفى صادق الرافعي

قولوا لهذا الرشإ الهاجر … إن دموعي جرحتْ ناظري

أبيتُ لا بدرَ الدجى مُسعدي … ولا أخوهُ في الكرى زائري

والليلُ في خطوةِ أقدامهِ … أبطأُ من تأميلي العاثرِ

وطائرُ البانِ على أيكهِ … مكتحل من نومي الطائرِ

وبي هوىً قامَ على مهجتي … ينفذُ أمرَ الملكِ الجائرِ

أطيعهُ في قتلِ نفسي وما … عليَّ إلا طاعةُ الأمرِ

من ام يكنْ مثلي فلا يدعي … حبَ ذاتِ النظرِ الفاترِ

أنا الذي أرسلَ ذكرَ الهوى … في الناسِ مثلَ المثلِ السائرِ

من معشرٍ نالوا العلى كابراً … تعزى لهُ العلياءُ عن كابرِ

حلوا ذرَى الفخرِ وما غيرهم … يسمو إلى الذروةِ من فاخرِ

فقل لهذي الأرضِ تزهى بنا … زهو السما بالفلكِ الدائرِ

إنَّا ليوثٌ شهدوا أنها … أشبالُ ذاكَ الأسدِ الكاسرِ

المفزعِ الدنيا بسمرِ القنا … والضاربِ الآفاقِ بالباترِ

والمحكمُ العدلَ كما شاءهُ … من باتَ يخشى بطشةَ القاهرِ

ما عابني أن قيلَ ذو صبوةٍ … أو قيلَ مجنونٌ بني عامرِ

والحبُّ أهدى لفؤادِ الفتى … من حاجةِ النفسِ إلى الخاطرِ

بحارُ عقلُ المرءِ فيهِ فهلْ … من حيلةٍ في عقلي الحائرِ

وبي مليحُ الدلِّ ذو طلعةٍ … تكمدُ وحه القمرِ الباهرِ

وافتْ إلي المكرماتُ التي … ليسَ لها غيري من شاعرِ

لو مرَّ بالظبياتِ لاستأنستْ … وجداً بمثلِ الرشإ النافرِ

ولو رأتهُ الأسدُ في غابها … رأتء مذلَّ الأسدِ الخادرِ

براهُ من صوَّرَهُ فتنةً … مهفهفاً كالغصنِ الناضرِ

يسومني الصبرُ وهل عاشقٌ … من لم تمتهُ لوعةُ الصابرِ

راحَ بنومي واصطباري معاً … يتيهُ تيهَ الملكِ الظافرِ

ومن اتقى اللهَ ولا يتقي … في مدمعي الملتطمِ الزاخرِ

يا مرهفَ الأعطافِ ماذا الذي … ترهفهُ من لحظكَ الساحرِ

سلبتني النومَ وضيعتهُ … فردَّ بعضَ النومِ للساهرِ

كم عاذلٍ فيكَ وكم عاذرٍ … وما على العاذلِ والعاذرِ

إنب امرؤٌ في نفسهِ عزةٌ … تجلُّهُ عن شيمةِ الغادرِ

إن قتلتني صبوتي فالهوى … أولُهُ يقتلُ في الآخرِ