قل للحكيم أبي الحسين ومن جَلاَ – ابن الرومي
قل للحكيم أبي الحسين ومن جَلاَ … ليلَ الشُّكُوك عن القلوب فأَصْبَحَا
وَتَتَبَّعَ الإخوانَ يَنْعَشُ عَثْرَة ً … منهم ويسْتُر عَوْرَة ً أن تُفْضحا
للَّه أنتَ لسائلٍ ومُسَائلٍ … ما أسْرَحَ الرِّفْدَيْنِ منكَ وأنجحا
أنت الذي إن قيل جُدْ غَمر المُنَى … بنواله أو قيل أوْضِحْ أوضَحا
ما إنْ تَزَالُ مُنَوِّراً وَمُنَوِّلاً … كالغيْث أبرق في الظلام وسَحْسَحَا
تُزْجيه ريحٌ وُكِّلَتْ بشُؤُونِهِ … تُذْكِي سَنَاهُ وَتَمْتَرِيهِ ليسفحا
فَيَشُبُّ آوِنَة ً بُرُوقاً لُمَّحاً … ويَصُبُّ آونة ً غُرُوباً نُضَّحا
مُتضمِّناً كشفَ الغُيُوب وتارة ً … سَحَّ السُّيُوبِ دَوَافقاً لا رُشَّحَا
وأقولُ إنك حين تَدْأَبُ دَأْبَة ً … أَرْوَى لمُسْتَسْقٍ وأوْرَى مَقْدَحَا
ما زلتَ قبْلَ العَشْر أوْ لكمالها … تَعْلُو الْعُلاة وتَسْتَخفُّ الرُّجَّحا
مُسْتَرْفَداً ضخم اللُّهَا مُسْتَرْشَداً … جَمَّ النُّهَى مُسْتَمْنَحاً مُسْتَفْتَحَا
عُرْفاً وَمَعْرِفَة ً تَبَجَّحَ مَعْشَرٌ … عَدِمُوهما وعلوتَ أن تَتَبَجَّحا
أَسمَّى مَنْ أمَرَ الإلهُ بِذَبْحِهِ … حتَّى إذا أشْفَى نَهَى أنْ يُذْبَحَا
فُزْ فَوْزَهُ واسْعَدْ بمثل نجاته … ووقاك شانْئُكَ البوارَ المِجْوَحَا
مَعَ أنَّه ذِبْحٌ يُقَصِّرُ قَدْرُهُ … عن أن يقوم مقامَ كَبْشٍ أمْلَحَا
مُتَخَيَّرٌ لا للزَّكاءِ أَلِيَّة ً … لكنْ ليُجرَحَ دونَ نَفْسِك مُجْرَحا
فاعذر أخاكَ وإن فداك بِتَافِهٍ … مَحْضِ الخساسة ِ طالباً لك مَصْلَحَا
لوْلاَ هَوَايَ رَدَى عَدُوِّكَ لم أكُنْ … أرْضَى لِفديتِك الأخَسَّ الأَوْتَحَا
أكرمْ بنائِلِك الذي أمْتَاحُهُ … عَنْ أَيِّ ما ضَرَعٍ وذُلٍّ زحزحا
لو لم تصُنْ وجهي به وتكفُّهُ … أمسَى وأصبحَ بالهوانِ مُلَوَّحِا
أعْفَيْتَ وجهَ مُحَرّم لم يعتقد … وَفْراً ولم يَكُ بالسؤالِ مُوَقَّحا
أبْصَرْتَ عُودِي عَارِياً فكَسَوْتَهُ … وقَدِ الْتَحَى مِنْهُ زَمَانِي مَا الْتَحَى
لا أسْتَزِيدُكَ غيرَ إذْنِكَ أن تَرَى … مَدْحِي عَليْكَ مُحَبَّراً ومُسَيَّحَا
بَدَأَ امتِنَانُكَ فاهْتَزَزْتَ ورُعْتَنِي … عن نشر ما تُسدِي فَمِدْتُ مُرَنَّحَا
مِنْ تَرْحَة ٍ كَادَتْ تُكَدِّرُ فَرْحَة ً … وأراكَ تكره أن أعيشَ مُتَرَّحَا
وإذا أبيتَ الشُّكْرَ مِن مُتَقَبِّلٍ … جَدْوَى يديْكَ حَمَيْتَهُ أنْ يفرحا
ومتى رَدَدْتَ القيل في فَم قائلٍ … لَفَح الفؤادَ وحَقُّه أنْ يَلْفَحَا
هي ضربة ٌ بالسيف إلا أنه … سيفٌ ضرْبتَ به وَلِيَّكَ مُصْفَحَا
وإذا ضربْتَ بِصَفْح سيفك صَاحِباً … خافَ الشَّبَا والموتُ فيه إن انْتَحَى
وكأنَّ مَنْ عذَلَ امرأً في مَدْحِهِ … إيَّاكَ من عَذَلَ امرَأً إنْ سَبَّحَا
قُلْ لي وقد أيْقَنْتَ أَنِّي عارف … بالحقِّ مُعْطى ً في البَلاَغة ِ مَنْدَحَا
أَاُمِيتُ ذِكْرَى مَنْ حَيِيتُ بفضله … وَرَعَيْتُ بعد الجدْبِ مَرْجاً أَفْيَحا
ما ذاكَ في حُكْمِ الحكيم بجائز … إنْ كان يعلمُ ما وعَى مِمَّا وَحَى
أوْلَيْتَ صالحة ً وليتَك لا تزل … بالصَّالحاتِ مُبَيَّتاً ومُصَبَّحَا
وأمرْتَهُ أنْ لا يَفُوهَ بذكرها … في الناطقين وغيرُ ذلك رُشِّحا
وإذ اصْطَنَعْتَ صَنِيعة ً وكتمتَها … وطَوَيْتَها فجديرة ٌ أن تُمْصَحَا
وكأنَّها عارٌ تحاول ضَرْحَهُ … عَنَّا وما يُسْدَى الجميلُ لِيُضْرَحَا
ما حَقُّ عُرْفٍ لم يُذِعْهُ وَليُّهُ … أنْ يَصْمِتَ المُوْلاَهُ بل أنْ يَصْدَحا
أوْلَى بطُول الجَحْدِ عُرْفُ مُبَخَّلٍ … مَنَّانِهِ رَفَضَ الفِعال ورَقَّحا
يُغْشَى فَيَنْبَحُ كلْبُهُ دون القِرى … لُؤْماً ويَخْرسُ كلبُهُ مُسْتَنْبَحَا
ولقد هَمَمْتُ بعليِّ عُرْفكَ طاعَة ً … فَغَدَت شَوَاهِدُهُ بِسِرِّي بُوَّحَا
إنِّي أعيذُكَ أن تُوَهِّم حاسداً … أن قد طرحتَ ثَنَاءَ حُرٍّ مَطْرَحَا
أغَرَسْتَ عِنْدي نعمة ً وأمرتَنِي … ألاَّ أذِيعَ بها الثناءَ الأفصحا
هَيْهَاتَ قَدْ سُمْتُ الذي حَاوَلتهُ … نَفْسِي فَعَزَّ جُمُوحُهَا أن يُكْبَحَا
إن التي أسْدَيْتَهَا رَيْحَانَة ٌ … أنْشَأتَهَا لا بدَّ مِنْ أنْ تَنْفَحَا
لا تُعْنتني بعد مَلْئِكَ باطِنِي … شكراً بمنعِكَ ظَاهِري أنْ يَطْفَحَا
أعْيَا عَلَيَّ فَلوْ أُجَمْجُم بَيَّنَتْ … عنْهُ حُلاَهُ ولو أُعَرِّضُ صَرَّحَا
كَفْكِفْ يَدَيْكَ عن النَوالِ وَبِذْلِهِ … حتَّى أكَفْكِفَ مِقْوَلِي أن يمدحا
كلا لقدْ رُمْنَا خلافَ سبيلنا … فغدا كِلاَ الخِيمَيْنِ يَجْمَحُ مَجْمَحَا
لم أسْتَطِعْ كفراً كما لم تَسْتَطِع … بُخْلاً ولم تجنحْ إليه مَجْنَحَا
ولو اهْتَبلْتَ إذ زاولتَه … لَحسبْتَ وُدِّيكَ الصَّرِيحَ مُضَيَّحا
عَجَباً لمنعِكَ مِقْوَلي مِن شَأنِهِ … ولقدْ جعلتُ له بفضلِك مَسْرحا
أَأَردْتَ ترفيهي فلم يَكُ فَادِحٌ … أَرْجُو بهِ الزُّلْفَى لديك ليَفْدَحا
وأنا امْرُؤٌ أجدُ الثناءَ على الذي … يُولِينيَ النُّعْمَى أخفَّ وأروحا
وأراكَ تحسِب مَنْطقي مُسْتَكْرَهاً … يَأْتي وقد كدَّ الضميرَ وبرَّحا
كَلاّ ولوْ أضحَى كذاكَ ورُضْتُهُ … بِنَداك أذعن لِي هُنَاك وسَمَّحا
هَوِّنْ عليك فإنَّ مَدْحَكَ مُسْعِدِي … عَفْواً ولم أكدحْ بفكريَ مَكْدحا
ما رمتُ بالميْسُورِ مدْحَكَ مرَّة ً … إلا رأيْتُ وجُوهَهُ لي سُنَّحا
أمْ خِلْتَ أَنِّي إن مدحتُكَ خِلْتنِي … كافأتُ طَوْلَكَ حَاشَ لِي أَنْ أَطْمَحا
فأروحُ أظْهرُ شاهداً مُستَحْسَناً … مِنِّي وأُبطنُ غائباً مُسْتَقْبَحا
إنِّي إذاً إن كان ذاكَ لَكالذي … لاقى بمُبْتسمٍ وأضمر مكلَّحا
أمْ خفْتَ إن جُمِعَتْ لِنفْسِي نعْمَتَا … حَظٍ وشُكْرٍ ناطِقٍ أن أمرحا
تاللَّه أنحُو نحو ذلك ما هدَى … نَفْسِي هُدَاك وإن نَحاهُ مَنْ نحا
لا بلْ حَقَرْتَ لِيَ الجزيلَ من الجدا … في جنبِ همَّتك البعيدة ِ مَطْمَحا
ورأيْتَ شُكْري فوقَ ما أوليتني … فَكَرهْتَ غَبْنَ مُكاتَبٍ قدْ بَلَّحا
وكذا يَرَى مَنْ لا يزالُ إذا جَرَى … مَسَحَتْ به الأيدِي جواداً أقْرَحا
ولَمثْلُ وجْهكَ لاحَ أوَّل سَابِقٍ … وَغَدَا مُفَدّى ً في الكرام مُمَسَّحا
وعليَّ إذْ أكْبَرْتَ شكري أنني … أبغي الزيادة فيه حتى أطْلحا
إنْ أبتسمْ عَمَّا فعلتَ فَزينَة ٌ … أوْلاَ فما وَارَيْتُ ثَغْراً أقلحا
يَفْديك كُتَّابُ الملوكِ وإن لحا … في ذاك مِنْ حُسَّادِ فضلك من لحا
يا خَيْرَهُمْ نَفْساً وأنداهُمْ يداً … وأجَمَّهُمْ عِلْماً وأرْساهُم رَحَى
ما أغْفَلَ القلَم الموشَّحَ خَصْرُهُ … يُمْنَاكَ عن كَرَمٍ هناكَ توشَّحا
قلمٌ إذا جَدَح الدَّوَاة َ رأيْتَهُ … لجميع ما تحت السيَّاسَة ِ مِجْدَحَا
تتحرَّكُ الأشياءُ بعد سكُونها … عند احتثَاثِكُهُ ذَنُوباً أَرْسَحا
للَّه منْ قَلمٍ هناكَ إذا جَرَى … أجرى المنافِعَ والمضَايِرَ سُيَّحَا
بيد امرىء ٍ إنْ شاءَ كان مُعَسَّلاً … يُشْفِي الجوَى أو شاء كان مُذَرَّحَا
يَسقِي به ماء الحياة ِ وربَّمَا … عادَى فَقَلَّبَ منه صِلاًّ أفْطَحَا
تَلقَى هُنَاكَ مُنَجَّداً ومُنَجِّداً … تَأْتَالُهُ ومُنَقِّحاً ومُنَقَّحَا
لو وَازَرَ الماءَ اسْتَفَادَ قُوَى الصَّفَا … جَلَداً ولو كادَ الصَّفا لَتَضَيَّحَا
كمْ مِنْ ذَليلٍ قد أعزَّ وما اعْتَدَى … حَقّاً وكائن مِنْ عزيز طَحْطَحَا
ما زلت مُذْ زايَلْتُ ظلَّكَ لابِساً … ظلَّ النَّدامة ِ ضَاحِياً فيمن ضحا
وأعدُّ محمودَ العهودِ فلا أرَى … فيها كَعَهْدِكَ لا أمَحَّ ولا امَّحَى
ما كنتُ عند بليتي إذْ شُبِّهَتْ … وجليتي إلاَّ كذي سُكْرٍ صَحَا
أثْنِي عليكَ بأنَّ كُلَّ مُطَالِب … جدواكَ قد أَضحى يُلقَّبُ أفْلَحَا
وبأنَّ عرضَك لا يزالُ مُمَنَّعاً … وبأنَّ مالك لا يزال مُمَنَّحَا
ولقد أَطافَ بك البُغَاة ُ ولم تَكُنْ … وَرعاً ولا عِرّيضَ شَرٍّ مِتْيَحَا
فَلَقُوا وراءَ الحلم منك شَكِيمَة ً … تَثْنِي المذَاكِيَ مِنْهُمُ والقُرَّحَا
ورأوْكَ مثل الطَّوْدِ ليْسَ بِنَاطِحٍ … لكنَّهُ يوهِي الرُّؤُوسَ النُّطَّحَا
فاسْلَمْ وما يَدْعُو بها إلا امْرؤٌ … لم يدَّخِرْ عن نفسه لك مَنْصَحَا
نَصَحَ المُحِبُّ لك السَّلامَة َ نَفْسَه … قَسَماً وإيَّاهَا بِذَاك اسْتَصْلَحَا
وأراكَ في الغُرَرِ الثَلاثَة ِ كُلَّ مَا … تَهْوَى وإن ساء العُدَاة ُ الكُشَّحَا
مُلِّيَتهُمْ حتَّى تُحَقَّ كُنَاهُمُ … فَتَرَى بنيهِمْ باكِرِينَ وَرُوَّحَا
مُسْتَوْسِقِينَ على سبيلك كُلُّهُمْ … يُهدي ذَوِي عَمَهٍ ويُنْهِضُ رُزَّحَا
لا يَعْدَمُونَ مقَالة ً من قائلٍ … ما أَحْسَنَ الصَّفَحَاتِ والمُتصَفَّحا
فَتُدَرَّعُ اليومَ القصيرَ بأُنْسِهِمْ … وتُعَمَّرُ العمْرَ الطويل مُصَحَّحا
مِنْ حَيْثُ لا مِرَرُ الطِّبَاعِ تَنَقَّضَتْ … كِبْراً ولا وَرَقُ الشَّبَابِ تَصَوَّحَا
لِمَ لاَ نَوَدُّ لكَ البقاءَ مُنَفَّلاً … طولَ السَّلامة ِ والمعاشَ الأفسحا
وإذا أبى المسؤولُ إلاَّ قولَ لاَ … للسَّائِلِ اسْتَحْيَيْتَ أن تتنحْنَحَا
وإذا أجَدَّ جوادُ قَوْمٍ في النَّدى … ومَزَحْتَ أنتَ فحسْبُنَا أنْ تمزحا
وإذا تأمَّلَ نَاظِرٌ في خُطَّة ٍ … ولمحْتَ أنتَ فحسبُنَا أنْ تلمحا
يا سائلي بأبي الحسين وفضْلِهِ … تكْفِيكَ جُمْلَة ُ ذكْرهِ أن تُشْرَحَا
أعجِبْ بأنكَ تَجْتَلِي بِشُعَيْلَة ٍ … وجْهَ الصباح وقد بَدَا لكَ أجْلَحَا
سَاءَلْتُهُ وسَأَلْتُهُ فوجدته … كالبحْرِ يَعْظُمُ قدرهُ أنْ يُنْزَحَا
وَتَضَحْضَحَتْ حَوْلِي بحورٌ جَمَّة ٌ … وأَبَى ابنُ إبراهيم أنْ يَتَضَحْضَحَا
لم ألْقَ في غمراتِ قومٍ مَشْرَباً … ووجدتُ في ضَحْضَاحِهِ لِي مَسْبَحَا
مَنْ كان شُبِّهَ لِي وشُبِّحَ باطلاً … فَسِوَاهُ كانَ مشَبَّهاً ومُشَبَّحَا
ما كانَ مثل الآلِ خَيَّلَ لُجَّة ً … ثم اسْتُغِيثَ بِهِ فأبْرَزَ ضَحْضَحَا
جبل بناه اللَّه حول حريمِهِ … لِيَحُوطَ من يرعى ويُثْبِتَ مادحَا
شَهِدَتْ مَآثِرُهُ الجميلَة ُ أنه … مِمَّنْ تَمَكَّن في العلا وَتَبَحْبَحَا
كم مِنْ عَلاّءٍ قدْ علاهُ لَوِ ارْتَقَى … مَرْقَاتَهُ أَحَدٌ سِوَاهُ تَطَوَّحَا
باعَ المنَاعِمَ بالمكارِمِ رابحاً … وابْتَاعَ حَمْدَ الحامدين فأرْبَحَا
مَلَكَ الرِّقَابَ بِفَكِّهَا وبأنَّهُ … مَا مُلِّكَ الأحْرَارَ إلا أسجَحَا
لا تَغْمُرُ النعمُ الجلائِلُ قَدْرَهُ … كلا ولا تَزْهَاهُ حتَّى يمرحا
لا بَلْ تُقَاسُ بقَدْرهِ فَيَطُولُها … أَلْوَى تصَادِفُهُ الملابسُ شَرْمَحَا
أضحَتْ بمجدِ أبي الحسين وجُودِهِ … عِلَلُ المُمَجَّدِ والمؤَمَّلِ زُوَّحَا
فإذا مدَحْتَ أصاب مدحُكَ مَمْدَحاً … وإذا مَنَحْتَ أصابَ منحُك مَمْنَحَا
خذْهَا نَتِيجَة َ هَاجِسٍ ألْقَحْتَهُ … وبحقِّه نَتَج أمرؤٌ ما ألقحا