قصوا الحديث عن الفريق النائي – أحمد محرم

قصوا الحديث عن الفريق النائي … وصفوا لمصر مصارع الشهداء

وتداركوا دين الجهاد وفسروا … للجاهلين شرائع الزعماء

إيمان أحبار وفقه أئمة … ذهبوا فضاع على يد الفقهاء

المنكرين على الحماة وفاءهم … المؤثرين تقلب الأهواء

القانعين من الحياة بباطل … ومن المطامع والمنى بهباء

النازلين على مشيئة من يرى … أن القوي أحق بالضعفاء

شغل الفوارس بالوغى وأراهمو … شغلوا ببيع خاسر وشراء

السوق قائمة ومصر بضاعة … نكبت بأخذ موجع وعطاء

زعموا الشعوب لكل ذي جبرية … أسراب ضأن أو قطيع إماء

وغلوا فظنوا الله مخلف وعده … والله فوق مزاعم الجهلاء

يئسوا من العقبى فتلك نفوسهم … تزجى جنازتها بغير رجاء

كبرت للموتى تضيء قبورهم … وبكيت بعض منازل الأحياء

يهوين في لجج الظلام كما هوت … هلكى السفين تغيب في الدأماء

أبكي على الوطن اللهيف وليتني … أدركت سؤلي أو أصبت شفائي

هدت جبابرة الغزاة كيانه … فهوى وتلك جناية السفهاء

نادوا شهيدي مصر في قبريهما … وصلوا دوي ندائكم بندائي

نادوا اللواءين اللذين طوى الردى … فالجند منتظر بغير لواء

نزل القضاء به فعوجل مصطفى … وهوى علي فارس الهيجاء

أهو الجلاء دها الكنانة فيهما … فأثاب كل مطالب بجلاء

رزءان ما بلغت بعيد مداهما … همم الخطوب ولا قوى الأرزاء

صدعا جبال المشرقين وزلزلا … أمم الزمان وساكني الغبراء

يا مصر غضي من جمالك واحجبي … سلطان حسنك عن هوى الأبناء

عبثوا بحرمته وواجب حقه … وجزوا صنيعك فيه شر جزاء

هم أخطأوا معنى المحبة وادعوا … حذق الثقات وفطنة الحكماء

أجد الحنين إليك سلوة نازع … وأرى توددهم أليم جفاء

ذهب اللذان تساقيا صفو الهوى … عف الكؤوس مهذب الندماء

لم يبق بعدهما لمضمر لوعة … من حبك المضني سوى الأقذاء

عرفا الصبابة نجدة ومروءة … والحب محمية وصدق بلاء

فتدفعا يستهلكان على الصبي … نفسين تزدادان طول بقاء

جود كجود الأنبياء ولن ترى … في العاشقين خلائق البخلاء

وإذا رزقت الصدق في أهل الهوى … فالنفس أهون قربة وفداء

عجل الرفاق فمزعتهم نية … بعد المطار بها عن العنقاء

خلقوا لو شك نوى وطول تفرق … ونظنهم خلقوا لطول ثواء

جرت الظنون الهوج خلف مطيهم … فهوين من تعب وفرط عياء

لا البرق مخبر أية ذهبوا ولا … رسل البريد تجيء بالأنباء

الدهر أخرس والبلاد صوامت … والناس بين تفجع وبكاء

والطير من غاد علي ورائح … تهذي بقرب تجاور ولقاء

أسفي عليهم يرتمي برحالهم … حادي الصباح وسائق الظلماء

مغفين من فرط اللغوب وما درت … تلك الجفون لذاذة الإغفاء

تركوا الديار تذوب شوقا بعدهم … وتضج من أسف وطول عناء

ظلمت فراعنة الخطوب قطينها … وقضى عليها الدهر شر قضاء

هي أمة أخذ الهوى بزمامها … ورمى الدعاة عيونها بغطاء

فتدافعت طوع العواصف ترتدي … هبوات كل سفيهة هوجاء

ثم انثنت صرعى تمج كلومها … ذوب لكلى وعصارة الأحشاء

ضاقت بها الدنيا فما من مذهب … والرأي أفيح واسع الأرجاء

هذا السبيل فأين مرتاد الهدى … هذا الدواء فأين نضو الداء

للحق في ظلم الأمور مسالك … بيض المعالم غير ذات خفاء

نحن الحماة الصادقين وهذه … سمة الهداة وسنة الأمناء

إن يمض أعلام الجهاد فما مضت … بيض الظبي ومساقط الأشلاء

فتقدموا يا قوم لا يقعد بكم … عند اللقاء تهيب الجبناء

مصر المضيمة تستثير إباءكم … ولهى تخاف شماتة الأعداء

ضنوا بميراث الدهور وحصنوا … شرف البنين وسؤدد الآباء

لا تجزعوا للحادثات تصيبكم … وخذوا سبيل الفتية الخنفاء

الدهر يوم مذلة ومهانة … والدهر يوم حمية وإباء

غوت النفوس فساد كل مخادع … ومضى بأمر القوم كل مراء

هل في المشارق من يردد صيحتي … أم في الكنانة من يجيب دعائي

إن الذي جعل الحياة شريعة … أوحى حقائقها إلى الشعراء