قرأْتُ على أهلي كتابَكَ إذ أتى – ابن الرومي
قرأْتُ على أهلي كتابَكَ إذ أتى … وقلتُ لهم هذا أمانٌ من الدهر
فكلُّ امرىء ٍ منهم إذاخاف دهرهُ … مُعوّلَهُ ضمُّ الكتاب إلى الصدر
أذكِّرك الوعدَ الذي كان بيننا … وما مرَّ من يوم عليه ومن شهر
وقطرة َ غيثٍ كنتَ أنبأتَ أنها … سيتبعُها قطرٌ مُلث على قطر
تقبّلها منك امرؤٌ متوقعٌ … لها أخواتٍ من أناملِكِ العَشْر
ولا غَروَأنت البحر تُفضى عُفاتُه … إلى الضحل من جَدواه ثم إلى الغمر
أو الغيثُ يأتي قطْرهُ قبل سَيله … أو الشمسُ يَهدي ضوءها وضَحُ الفجر
فدَتْكَ نفوسُ الناس من ذي حياطة ٍ … غدوتَ لهم أمَّا ممهدة الحِجر
تظلُّ من الأمرِ المخُوفِ وغيرهُ … تضُمُّ بنيها باليدين إلى النَّحر
فإشفاقُها من أن يموتوا من الغنى … كإشفاقها من أن يموتوا من الفقر
لذلك تَحمي الناسَ أول وهلة ٍ … نداك سوى الشيء الموائم والنزر
تُدرَّجُهُمْ هَوْناً على درجاته … وترفعهم بالقدر منه إلى القدر
ولو وردتْ كُبرى عطاياك بغتة ً … على مُستنيلٍ أسْلَمتْهُ إلى القبر
إذاً لتقضّى قلبه من شِغافه … سروراً بما حازتْ يداه من الوفر
ومن فَرَحاتِ النفسِ ما فيه حتفُها … ومن أنسِها بالخير ما هو كالنفر
أبا حسنٍ حتى متى أنا حابسٌ … عليك رجائي أنسخُ العصر بالعصرِ
وقد وجبتْ لي بالمودّة حُرمة ٌ … ومن بعدها ثنتان بالمدح والصبر
وعدتَ فبادِر بالوفاء فقد ترى … مبادرة َ الأيامِ بالغدر والختر
أتأمن أن يُرمَى مُرجٍّ مطلَته … دُوينَ الذي رَجّى بداهية ٍ هَتر
فتقدحُ فيما بين ضِعفيك حسرة ً … كحسرته ليست بخامدة ِ الجمر
وما أمْنُ مأمولٍ على نفسِ آمِلٍ … حوادثَ دهر غير مأمونة ِ المكر
ترامى بنا شأوُ المِطال إلى مدى ً … بعيدٍ ولسنا من حديدٍ ولا صخر
وإني لأرجو من سمائك مَطرة ً … أهزُّ لها عِطفيَّ في ورق نضر
نتيجة ُ وعدٍ صادقٍ منك شاهدي … عليه كتابٌ يحفز السطرَ بالسطر
ولن يُخلفَ الوعد امرؤٌ سار قولهُ … أُرى الوعد مثل العهد والخُلفَ كالغدر
ولو وعدتْ عنك المُنى مُتَمنياً … وفيْت له عنها وفاءك بالنَّذر
تطوّلْ بمالٍ نالني منك جَذرُهٌ … فإنك قد جرّبت شُكري على الجَذر
جداً منك أو من ماجدٍ تستميحه … لراجيك رحب الباع ذي همة ٍ بحر
وما المائة الصفراءُ منك ببدعة ٍ … ولا من أخيك الأرْيَحي أبي الصقر
ولا هي أقصى ما أُرجِّيه منكما … وكيف وأدناه الجسيم من الأمر
ورأيُك في ردّ الكتاب فإنه … إذا انأدَّ ظهري نِعم مُستندُ الظهر
وليس بمنفكٍّ قريني أو يُرى … قرينَ كتابي في يميني لدى الحشر
ولمْ لا ولم أقرأه إلا تكشّفتْ … غواشي هُمومي وانتشيتُ بلا خمر
وزادتْ به عيناي في كلّ روضة ٍ … أنيقة ِ وشْي النوْر طيِّبة النشر