قد تلوى رفاقنا وبقينا – جبران خليل جبران

قد تلوى رفاقنا وبقينا … يعلم الله بعدهم ما ليقينا

هل من الصاب في كؤوسك سؤر … قد سقينا يا دهر حتى روينا

أوداع يتلو وداعا وتأبين … على الإثر معقب تأبينا

أيها الشاعر الذي كان حينا … يتغنى وكان ينحب حينا

خطم العود إن كر الليالي … لم يغادر في العود إلا ألأنينا

أن يلم الردى بمي غداة … يا لقومي بأي خطب دهينا

طالع السعد هل تحول نوءا … يبعث الريح والسحاب الهتونا

فإذا ما أقر أمس عيونا … قرح اليوم بالدموع العيونا

نعمة ما سخا بها الدهر حتى … آب كالعهد سالبا وضنيا

أيهذا الثرى ظفرت بحسن … كان بالطهر والعفاف مصونا

لهف نفسي على حجى عبقري … كان ذخرا فصار كنزا دفينا

غيه يا مي أسرف اليتم تبريحا … بروح كان الوفي الحنونا

فقدك الوالدين حالا فحالا … جعل البيض من لياليك جونا

ورمى أصغريك رامي الكبيرن … فذاقا قبل المنون المنونا

أقفر البيت أين ناديك يا مي … غليه الوفود يختلفونا

صفوة المشرقين نبلا وفضلا … في ذراك الرحيب يعتمرونا

فتساق البحوث فيه ضروريا … يودار الحديث فيه شجونا

وتصيب القلوب وهي غراث … من ثمار العقول ما يشتهينا

في مجال الأقلام آل إليك السبق … في المنشئات والمنشئينا

أين ذاك البيان يأخذ بالألباب … فيما تجلين أو تصفينا

في لغات شتى وفي لغة الضاد … تجندين صوغ ما تكتبينا

أدب قد جمعت فيه علوما … يخطيء الظن عدها وفنونا

وتصرفت فيه نظما ونثرا … باقتدار تصرف الملهمينا

وتبتغين الصلاح من كل وجه … وتعاين سقوة المصلحينا

وحي قلب يفيض بالحب للخير … ويهدي إليه من يهتدونا

ويود الحياة عزا وجهدا … لا يود الحياة خسفا ولينا

فهو نا يبث بثا رفيقا … يمل النفس رحمة وحنينا

وهو آنا يثور ثورة حز … عاصفا عصفة تدك الحصونا

ينصر العقل يكشف الجهل يوحي العدل … يرعى الضعيف والمسكينا

أين ذاك الصوت الذي يملك الأسماع … في كل موقف تقفينا

فجع الشرق في خطبيته الفصحى … وما كان خطبها ليهونا

أبلغ الناطقات بالضاد عيت … بعد ان أدت البلاغ المبينا

أطربته وهذبته وحثته … على الصالحات دنيا ودينا

قدرته لفظا ولحظا وإيماء … بما ودت المنى ان يكونا

ذاك في العيش ما شغلت به والغيد … تلهو وا ت لا تلهينا

لم ترومي إلا الجليل وجانبت … الاباطيل واقتيت الفتونا

وجعلت التحصيل دأبا … وآتيت جناه فطاب للمجتنينا

لاتحادالنساء في مصر فضل … أكبر الناس منه ما يشهدونا

قدم اليوم في الوفاء مثالا … من مساعيه بالثناء قمينا

يا هدى أنت رحمة وهدى للشرق … فابقى له وافني السنينا