قالت لي السمراء – بهيجة مصري إدلبي

قالتْ ليَّ السمراءُ :

إنَّكَ مرهقٌ

في غرفةِ الإنعاشِ

تبحثُ عن قصيدةْ

ما بالُها السمراءُ تبكي

فوقَ مِقْعَدِها وحيدةْ

مابالها قد أسدلت جفنيها

مُرْهَقةً

تُواري وجههَا خلفَ الجريدةْ

والصَّمتُ ينزفُ من رؤى أحلامِها

جمراً وآلاماً عنيدةْ

وتستلقي على أهدابِها الأحزانْ

فتنكسرُ الرؤى في مقلتيها

مثلَ قنديلين يحتضرانْ

يفيض الليل

ينسحبان

نحوَ غياهبِ النسيان

قالتْ ليَّ السمراءُ :

إنَّها شاهدتْ كلَّ القصائد

كالسحاب على السرير

فخَمَّنَتْ ـ من وهلة ـ

أنَّ الحدائقَ قد أَتَتْ مذهولةً

أشجارها

وطيورها

الأعشاب والورد الحزين

وأجَّلَتْ كلَّ المواعيدِ

التي في دفتر العشاقْ

وأغلَقَتْ أبوابَها

وأتَتْ إليكَ لكي تنامْ

حَمَلَتْ إليكْ قصائداً من عنبرٍ

ورَمَتْ على أطرافِ

مَخْدَعِكَ الحمامْ

قالتْ ليَّ السمراءُ :

إنَّها شاهدتْ

كل النجوم تجيء أسرابا إليكْ

لترش كل ضياءها عطرا عليكْ

وتنام بالأسرار بين يديكْ

قالتْ ليَّ السمراءُ ذلكَ

ثمَّ أَسْكَتَها النحيبُ

ما بالُها السمراءُ تبكي ولا تُجيبُ

ما بالُها

رَمَتْ المساحيقَ التي أهدَيْتَها

وأتَتْ بلا كُحْلٍ

تهدَّل شعرُها الليلي

جافَتْها الطيوبُ

قالتْ ليَّ السمراءُ :

وانْتَحَبَتْ

لقد تعِبَ الحبيبُ

ياليْتَهُ نيسانُ يأتي

علَّ ما قالَتْهُ يُمسي كذبةً

أو مزحةً

قلْ : كنْتَ تمزحُ

قل لها : كَذَبَ الطبيبُ

حتى تقرَّ وتستريحَ

ولا تُكَبِلُها الذنوبُ

اكتبْ لها

اكتبْ لنا

لا .. لم نُصدقْ ما سمِعْنا

اكتبْ لنا

كي تطمئِنَ على قصائدك القلوبُ

أتْعَبَتْنا عرباتُ الظنِ

والصمتُ الكئيبُ

كيفَ ترضى أنْ تغني صامتا

فوق سريرٍ لا تُناديه الدروبُ

اخرجْ إلينا

مثلما كنْتَ نبياً

يسكبُ الشعرَ

فتأتيه الجهاتُ

يصبحُ الوردُ ندياً

يُرسِلُ البُشرى إلى حزن الرمادْ

يُوقِظُ الجمرَ تغنّيه البلادْ

اخرجْ إلينا

من حواريكَ القديمةْ

قرشيا أمويا

لاتكنْ طفلاً شقيا

اخرجْ إلينا

كيفَ يكفيكَ الهواءْ

غرفة بيضاء ضاقت بالغناءْ

هجرتها كلُّ أبراجِ النساءْ

اخرج إلينا كوكبَ سحر

واشرب الشايَ بعطر

بين كل الأصدقاءْ

اخرجْ إلينا

وتنفسْ من رئاتِ الناس شعرا

لا تكنْ طفلا عنيداً

سنُطَمْئِنُ السمراءَ

أنَّكَ لا تزالُ تُحِبُها

ولسوفَ ترجعُ حاملاً أوراقكَ الزرقاءْ

ترفَعُها سماءً

فوقَ خيمةِ جُرْحِنَا

لتذيبَ فينا ما تراكم من جليد

كي يصالحنا النهارْ

نرجوكَ اخرجْ يا نزارْ

لم نكنْ مثلَكَ عشاقاً

ولكنْ كنْتَ مِنَّا

من أغانيك تعلمنا الغناءْ

فانطوى في دمنا الشوق

ضياء

فوقَ أسوارِ الحصارْ

لم نكنْ مثلَكَ

ولكنْ كنْتَ مِنَّا

كنَّا نمشي في رؤى التيه

أضاعتنا الجهاتُ

رأسُنا في الأرضِ نستجلي خطانا

مرةً قُلْتَ ارفعوا الرأس

لكي تبدو السماءْ

مرةً قُلْتَ اعبروا

لا يعبر الأسرار حلم من بكاءْ

مرةً قُلْتَ انهضوا

لا تنطووا في الصمت

هبوا كالشتاءْ

واقطفوا النجمة من أبراجها

واشربوا

من زرقةِ البحرِ

ومن نهرِ الغناءْ

اخرجْ إلينا

قبلَ أنْ يأتي الصباحْ

شهرزادٌ بانتظاركْ

ضمها الصمت

فلاذت بالظلامْ

لم تعد تحكي لنا شيئاً

وجافها الكلامْ

ربَّما بعدكَ ضاقت بالحكايا

هجرت من بعدك القصَّ

استباحتها الجراح

نسيتْ رقصَ السماحْ

اخرجْ إلينا وإليها

لا تُبالغْ بالمزاحْ ..