فؤاد ما تسليه المدام – المتنبي

فُؤادٌ ما تُسَلّيهِ المُدامُ … وعُمْرٌ مثلُ ما تَهَبُ اللِّئامُ

ودَهْرٌ ناسُهُ ناسٌ صِغارٌ … وإنْ كانتْ لهمْ جُثَثٌ ضِخامُ

وما أنا مِنْهُمُ بالعَيشِ فيهم … ولكنْ مَعدِنُ الذّهَبِ الرَّغامُ

أرانِبُ غَيرَ أنّهُمُ مُلُوكٌ … مُفَتَّحَةٌ عُيُونُهُمُ نِيَامُ

بأجْسامٍ يَحَرّ القَتْلُ فيها … وما أقْرانُها إلاّ الطّعامُ

وخَيْلٍ ما يَخِرّ لها طَعِينٌ … كأنّ قَنَا فَوارِسِها ثُمَامُ

خَليلُكَ أنتَ لا مَن قُلتَ خِلّي … وإنْ كَثُرَ التّجَمّلُ والكَلامُ

ولو حِيزَ الحِفاظُ بغَيرِ عَقْلٍ … تَجَنّبَ عُنقَ صَيقَلِهِ الحُسامُ

وشِبْهُ الشيءِ مُنجَذِبٌ إلَيْهِ … وأشْبَهُنَا بدُنْيانا الطَّغامُ

ولَوْ لم يَعْلُ إلاّ ذو مَحَلٍّ … تَعالى الجَيْشُ وانحَطّ القَتَامُ

ولَوْ لم يَرْعَ إلاّ مُسْتَحِقٌّ … لرُتْبَتِهِ أسامَهُمُ المُسَامُ

ومَنْ خَبِرَ الغَواني فالغَواني … ضِياءٌ في بَواطِنِهِ ظَلامُ

إذا كانَ الشّبابُ السُّكرَ والشّيْـ … ـبُ هَمّاً فالحَياةُ هيَ الحِمامُ

وما كُلٌّ بمَعذورٍ بِبُخْلٍ … ولا كُلٌّ على بُخْلٍ يُلامُ

ولم أرَ مِثْلَ جيراني ومِثْلي … لمِثْلي عِندَ مِثْلِهِمُ مُقامُ

بأرْضٍ ما اشْتَهَيْتَ رأيتَ فيها … فلَيسَ يَفُوتُها إلاّ الكِرامُ

فهَلاّ كانَ نَقْصُ الأهْلِ فيها … وكانَ لأهْلِها مِنها التّمامُ

بها الجَبَلانِ مِنْ صَخْرٍ وفَخْرٍ … أنَافَا ذا المُغيثُ وذا اللُّكامُ

ولَيْسَتْ مِنْ مَواطِنِهِ ولكِنْ … يَمُرّ بها كَما مَرّ الغَمامُ

سَقَى الله ابنَ مُنْجِيةٍ سَقَاني … بدَرٍّ ما لراضِعِهِ فِطامُ

ومَنْ إحْدى فَوائِدِهِ العَطَايا … ومَن إحدى عَطاياهُ الذّمامُ

وقد خَفيَ الزّمانُ بهِ عَلَينَا … كسِلْكِ الدُّرّ يُخْفيهِ النّظامُ

تَلَذّ لهُ المُروءَةُ وهيَ تُؤذي … ومَنْ يَعشَقْ يَلَذّ لهُ الغَرامُ

تَعَلّقَها هَوَى قَيسٍ للَيْلى … وواصَلَها فَلَيسَ بهِ سَقَامُ

يَروعُ رَكانَةً ويَذوبُ ظَرْفاً … فَما يُدرَى أشَيْخٌ أمْ غُلامُ

وتَمْلِكُهُ المَسائِلُ في نَداهُ … وأمّا في الجِدالِ فلا يُرامُ

وقَبضُ نَوالِهِ شَرَفٌ وعِزٌّ … وقبضُ نَوالِ بعضِ القومِ ذامُ

أقامتْ في الرّقابِ لَهُ أيَادٍ … هيَ الأطواقُ والنّاسُ الحَمامُ

إذا عُدّ الكِرامُ فتِلْكَ عِجْلٌ … كمَا الأنْواءُ حينَ تُعَدّ عامُ

تَقي جَبَهاتُهُمْ ما في ذَرَاهُمْ … إذا بشِفارِها حَمِيَ اللِّطامُ

ولو يَمّمْتَهُمْ في الحَشْرِ تجدو … لأعطَوْكَ الذي صَلّوا وصامُوا

فإنْ حَلُمُوا فإنّ الخَيلَ فيهِمْ … خِفافٌ والرّماحَ بها عُرامُ

وعِندَهُمُ الجِفانُ مُكَلَّلاتٌ … وشَزْرُ الطّعْنِ والضّرْبُ التُّؤامُ

نُصَرّعُهُمْ بأعْيُنِنا حَيَاءً … وتَنْبُو عَن وُجوهِهِمُ السّهامُ

قَبيلٌ يَحْمِلُونَ منَ المَعالي … كما حَمَلَتْ من الجسدالعِظامُ

قَبيلٌ أنتَ أنتَ وأنتَ منهُمْ … وجَدُّكَ بِشْرٌ المَلِكُ الهُمَامُ

لِمَنْ مالٌ تُمَزّقُهُ العَطَايا … ويُشْرَكُ في رَغائِبِهِ الأنامُ

ولا نَدْعُوكَ صاحبَهُ فترْضَى … لأنّ بصُحبَةٍ يَجِبُ الذّمَامُ

تُحايدُهُ كأنّكَ سامِرِيٌّ … تُصافِحُهُ يَدٌ فيها جُذامُ

إذا ما العالِمُونَ عَرَوْكَ قالُوا … أفِدْنا أيّها الحِبْرُ الإمامُ

إذا ما المُعْلِمُونَ رأوْكَ قالوا … بهَذا يُعْلَمُ الجيشُ اللُّهامُ

لقد حَسُنتْ بكَ الأوقاتُ حتى … كأنّكَ في فَمِ الزّمَنِ ابتِسامُ

وأُعطيتَ الذي لم يُعْطَ خَلْقٌ … عَلَيكَ صَلاةُ رَبّكَ والسلامُ