غدا الدهرُ مفترّاً أغرَّ المضاحِكِ – ابن الرومي

غدا الدهرُ مفترّاً أغرَّ المضاحِكِ … عن ابن عبيد اللَّهِ تاج الممالِكِ

عن الكوكبِ الدُّريّ في كلّ حِندسٍ … عن اللَّمعة ِ البيضاء في كُلّ حالكِ

عن القاسمِ المقسومِ في الناسِ رفدُهُ … إذا لم تطب عن ملكها نفسُ مالك

عن ابن سليمان بن وهب فتى العُلا … على رغم أوغادٍ كُهولِ الحسائك

أغرُّ يُكنَّى بالحسين مُسلّم … له الحُسْنَ والإحسانَ كلُّ مُماحك

وزيرُ ولي العهدِ وابن وزيره … أخو المجدِ ركَّابُ الأمورِ التوامك

تُكشّفُ منه محنة ُ المُلكِ شيمة ً … مهذبة ً والتبرُ عند السبائك

وإن سترتَ وجهَ الحقائِق شبهة ً … رمى سِترها بالصائباتِ الهواتك

ويُفزَعُ في الجُلَّى إلى عَزَماتِهِ … فيستلُّ منها كالسيوف البواتِك

يعارِكُ بالتدبير كلَّ شديدة ٍ … فيصرعُها لاهُدَّ ركنُ المُعارِك

فتى ً عَطِرتْ ذكراهُ وانهلَّ جُودُهُ … تهلَّلَ باكٍ من حيا المُزنِ ضاحك

فعافيه في نَضْح من الغيث صائبٍ … ومُطريه في نضح من المسكِ صائك

ذكا وزكا فالعُرفُ من وبلِ ديمة ٍ … سماكية ٍ والعرف من طِيبِ ذانك

ألاحَ بُروق البشرِ تدعُو عُفاتَهُ … فجاءوا فأعفى بالرغابِ الوشائك

فنُفّلتِ الأيدي غِناها بمدحِهِ … ونُفّلتِ الأفواهُ طيب المساوِك

أقولُ لسئّالٍ به مُتجاهلٍ … مَحِلتَ وقد آنت إنابة ُ ماحك

توهَّمْ مصابيحَ السماءِ سبائكا … وصُغْ مثله من صفو تلك السبائك

فتى ً أسهلتْ خيراتُهُ لعفاتِهِ … فأحزن في تلك المعاني السَّوامك

ومن كثُرتْ في ماله شركاؤهُ … غدا في معاليه قليلَ المُشارك

فتى ً لا يُبالي حين يحفظُ مَجده … متى هلكتْ أموالُهُ في الهوالِكِ

له راحة ٌ روْحاءُ يسفكُ ماءَها … وليس لماء الوجهِ منه بسافك

مُقبَّلٌ ظهر الكفِّ وهَّابُ بطنِها … مواهبَ ليستْ بالخِساس الركائك

يسوقُ إلى تقبيلها القومَ أنها … غِياثٌ لهم بل عِصمة ٌ في المهالك

نرحِّلُ آمالاً إلى بابِ قاسمٍ … فيرجعنَ أموالاً عِراض المبارك

حباني بما يعيا به كُلُّ رافدٍ … وحبرتُ مايعيا به كلُّ حائك

فأعدَمتُه مدحَ الغِثاثِ مدائحاً … وأعدمني رفدَ الأكُفِّ المسائك

ومالربيعٍ ممطرٍ من مُجاوِد … ومالبقيع مُزْهر من مُحاوِك

وهبْتُ له نفسي ووُدي ونُصرتي … ولو صكَّ وجهي حدُّ أبيضَ باتِك

أقولُ لأقوامٍ تعاطوْا علاءَه … فأعْيتْهُم الخضراءُ ذاتُ الحبائك

دعوا آل وهْبٍ للمعالي فإنَّهُمْ … بقايا اللَّيالي الآخذاتِ التوارِك

أناسٌ يسوسُون البلادَ وأهلها … بشدة ِ أركان ولين عرائك

سراة ٌ إذا ماالناسُ أضحتْ سراتُهم … لنا ضُحكاً أضْحوا لنا كالمضاحك

يودُّ الورى لويشترون شهورهم … بأحوال أعوامٍ سواهُم دكائك

وشاهد زُور للكَفور ابن بلبلٍ … فقلتُ له أطغَيْتَ أطغى البوائك

وقد كنتُ من مُدّاحِهِ غير أنني … تناوكْتُ مضطراً مع المتناوِك

فلم يُجزني إلامواعيدَ أعصفتْ … بهن أعاصيرُ الرياحِ السواهِك

بلى قد جزاني لو شكرتُ جزاءهُ … جزاءَ مَنيكٍ في إسته غير نائك

وليس جزاءً أنْ عفا إذ مَدَحْتُه … وقد كنتُ أهلاً للعِصي الدَّمالك

ولستُ بهجَّاءٍ ولكن شهادة ٌ … لديَّ أوَّدِّي حقها غيرَ آفِك

وما أنا للحمِ الخبيثِ بآكلٍ … وإنّ له منّي للَوْكة َ لائكِ

إذا استمسكَتْ كفي بعروة قاسمٍ … فلسْتُ على صرْفِ الزمانِ بهالك

أرانا عِياناً كلَّ عفوٍ ونائل … سمعْنا بمذكورَيْهما في البرامِكِ

تداركَني مِنْ عثرة ِ الدهرِ قاسمٌ … بما شئتُ من معروفِهِ المتدارك

فأصبحْتَ في أيكٍ من العيشِ مثمرٍ … وأمسيْتُ في عِيّى من العز شائك

فتى ً في نثاهُ شاغلٌ عن سؤالهِ … سبوق العطايا للطَّلوب المُواشك

فليس لأبشارِ الوجوه بمُخْلق … وليس لأستارِ الخفايا بهاتِك

فتى ً لاأُسمّيه فتى ً لحداثة ٍ … ولكن لهاتيك السجايا الفواتك

سجايا أبت إلاانتصافاً لجارِها … من الدهر إما عضَّ رحْلٌ بِحارك

يُواحِكُ عند العذل في بَذْلِ مالهِ … وعندَ ارتيادِ الحقّ غيرُ مُواحك

وسائلة ٍ عن قاسمٍ ومكانِهِ … فقُلْتُ لها إن العلاءَ هنالك

كريمٌ تفي أفعالُه بانتسابهِ … وذو نسب في آلِ ساسانَ شابك

أظلُّ إذا شاهدْتُ يومَ نعيمِهِ … كأني في الفردوسِ فوقَ الأرائك

بمرأى ً من الدنيا جيملٍ ومَسْمعٍ … لدى ملكٍ بالحق لامُتمالك

مقابلَ وجهٍ منه أبيضَ مشرقٍ … كبدر الدجى بين النجوم الشوابك

يحيّيه أترجُّ تسامى حياله … وشاهَسْفَرمٌّ تحته كالدَّرانك

وفاكهة ٍ فيها مشمٌّ ومطعمٌ … تردُّ موداتِ النساءِ الفوارِك

ولو عُدم الريحانُ حَيَّاهُ نشرهُ … بمثلِ سحيقِ المسكِ فوقَ المداوك

بنفسي وأهلي ذاك وجهاً مباركاً … تلقَّى بأوفى الشكرِ نُعمَى المبارك

تحثُّ الحسانُ المُحسّناتُ كؤوسهُ … بِمَدْحٍ له قد سار جمَّ المسالِك

فيهتزُّ للجدوَى على كل مجتدٍ … وكانتْ ملاهي مثلِه كالمناسك

له مَجْلِسٌ ماإن يزال مُصدَّراً … بأحسنَ من بَيْض النعام الترائك

يُغنّينه فيه المحسناتُ لمحسن … لُهاهُ من الأمداحِ غيرِ الأوافكِ

ولم يتغنَّ المحسناتُ لمحسنِ … بمثلِ مديحٍ ذامِلٍ فيه راتكِ

شهدْنا له يوماً أغرَّ محجَّلاً … أقام لنا اللذاتِ فوق السنابك

لأمّ عليّ رَبْرَبٌ فيه آنِسٌ … من العينِ مثلِ العين حُفَّتْ بعانِك

من الوُضَّحِ اللُّعْسِ الشّفاه كأنما … يَفُهْنَ بأفواه الظباءِ الأوارك

يُرفّعْنَ أصواتاً لِداناً وتارة ً … يُنَمنمنَ وشْياً غيرَ وشي الحوائك

كفلْنَ لنا لمَّا اصطفَفْنَ حيالنا … بترحيل أضيافِ الهُمزمِ السّوادك

فمابرحتْ تُهدي إلينا عجائبٌ … عجائبَ تُصبي كلَّ صابٍ وناسك

فتاة ٌ من الأتراكِ ترمي بأسهُم … يُصِبْنَ الحَشا في السّلمِ لا في المعارك

كأنَّ زميرَ القاصياتِ أعارَها … شجاهُ وسجعَ الباكيات الضواحك

وبستان بستانٌ يُقِرُّ عيونَنا … بما فيه من نُواره المتضاحك

غناءٌ ووجهٌ مونقانِ كلاهما … يهيلانِ جُولَيْ ذي الحِجى المتماسك

ظللنا لها نَصْباً تشكُّ قلُوبنا … بذاك الشجا الفتانِ لا بالنيازك

وماجُلَّناربالمُقَصِّر شأوُها … ولا المتعدِّي قصد أهدى المسالك

لطيفة ُ قدّ الثدي تُسند عودَها … إلى ناجمٍ في ساحة ِ الصدر فالك

تطامَنَ عن قدّ الطوالِ قوامُها … وأربى على قدّ القصارِ الحواتك

ورقاصة ٍ بالطبلِ والصنجِ كاعبٌ … لها غُنْجٌ مِخناثٍ وتَكريهُ فاتك

أُتيحَ لها في جسمِها رفدُ رافدٍ … وإن نالها في خصرها نَهْك ناهك

إذا هي قامَتْ في الشُّفوفِ أضاءها … سناها فسفّتْ عن سبيكة ِ سابك

تخطَّى اسمَ عيَّارٍإلى اسمِ مؤاجَرٍ … مُسمٍّ لها ما شئتَ من مُتفاتِك

فدتْ تلكم الأسماءَ بل حاملاتِها … زيانبُ أرضِ اللَّهِ بعد العواتك

وجوهٌ كأيامِ السُّعودِ تشبُّها … لنا طُرَرٌ مثلُ الليالي الحوالك

سبايا إليهن استباءُ عقولِنا … مماليك مُلّكْن اقتدارَ الممالك

نوازلُ بين الانبساطِ إلى الخنا … وبين انقباضِ المُخبتاتِ النواسِك

موالِكُ يسفُكْنَ الدماءَ ولاتَرى … لهُن اكتراثاً بالدموعِ السوافك

إذا هُنَّ أزْمعْنَ الفراقَ فكلُّنا … أسِيٌّ على تلك الشموس الدوالك

أقاسمُ ما تتركْ فلستَ بآخذٍ … أبَيْتَ وما تأخذْ فلستَ بتارك

فلا تتركنّي أيُّها الحرُّ عُرضة ً … لدهرٍ غدا للحرّ غير متارك