غابن الحمد حقَّهُ مغبُونهْ – ابن الرومي

غابن الحمد حقَّهُ مغبُونهْ … وهوانُ العلا على المرءِ هونهْ

والمَحلُّ الخلاءُ من كُلِّ ضَيْفٍ … ومَضيفٍ مُعَطَّلٌ مسكونُهْ

والوعاءُ الذي وَعَى الوفْرَ والذَّمْ … مَ خليطين فارغٌ مشحونُهْ

وأرى المالَ ما يَخال أناسٌ … أن ذا المالِ فيهُمُ مغبونه

خيرُ مالٍ موزونهُ لذوي الحمْ … دِ كما خيرُ حَمْدِهم موزونه

وأصحُّ الآراءِ ما ظنَّ ذُو الأَفْ … نِ بِذي الرأي أنَّهُ مأفونه

والفَتى الحازِمُ الحصين حصوناً … مَنْ تُلاقيهِ والأيادي حصونه

وأخسُّ الرجالِ مَنْ راحَ فيهم … مُسْلَمَ العِرض سالماً ماعونه

أنْفِق المالَ قبل إنفاقكَ العم … رَ ففي الدهرِ ريبهُ ومَنونه

قلَّ ما ينفع الثراءُ بخيلاً … عَلِقَتْ في الثَّرَى المهلِ رُهونه

لا تظنَّنَّ أن مالك شيء … كدم الجوف خيره محقونه

لو نجا من حِمامهِ جاعلُ الما … ل مَعاذاً له نجا قارونهْ

ازرع الحُبَّ تَسْتدمْهُ فَمِمَّا … رُدَّ مزروعُهُ أتَى مَطْحونه

كلْ وأطعمْ فربما راعَ ريْعاً … زاكياً ممن تعولُه وتَمونه

لا تَفرَّدْ بأكل مالٍ ولا تَمْ … نُنْ بعُرْفٍ فَشَرُّهُ مَمْنونه

آكلوا المالِ شاغلوه عن المَجْ … دِ ولا ينفع امرءاً مَخزُونه

خازنوا المالِ ساجنوه وما كا … ن ليسعَى لساجنٍ مَسْجونه

إنَّ ربَّ العبادِ يرزقُ من يَخْ … لُق فليُحْسنَنَّ ظنَّاً ظَنونهْ

أحسِنِ الظنَّ بالإلهِ ولا تأمنْ … هُ أمنَ امريءٍ شديدٍ مجونه

واسترِبْ بالمُرِيبِ من كلِّ شيءٍ … واتَّهمْهُ لا تَحْتجنْك حُجونه

وإذا ما ظننتَ شرّاً فَخَفْهُ … رُبَّ شَرٍّ يقينُه مَظْنونه

لا تَبِيتَنَّ آمناً من ظَنينٍ … واحترسْ منه أوْ تليك أُمونهْ

كم رُكونٍ جنى عليكَ حِذاراً … مَنْ أطالَ الركونَ قلَّ رُكونه

إن تَطُلْ مِحْنَتي فلا أنا مَفْ … تونٌ زماني ولا أخي مفتونه

بل فتى ً ذو خَليقة ٍ تَصْرحُ اللَّعْ … نَ إذا اللعنُ جرَّهُ مَلْعونه

غيرَ أَنِّي إذا غدا صاحبُ الما … لِ مديناً فإنني مديونه

أحملُ الدين في الحقوقِ وإن أُثق … لْتُ والحقُّ قائمٌ قانونه

راض منِّي جنونُ دهرٍ سخيفٍ … ربما ثَقَّفَ العقولَ جنونه

راضني ثم هاجني فاعتلاهُ … بي شديدُ المحال لا موهونه

وثَّب الدهرَ وَثْبَة ً جشَّمَتْنِي … سَلَّ سَيْفٍ عَمِرتُ دهراً أصونه

طالَ عَهْدي به ولم يَتَغَيَّرْ … لي مصقولُه ولا مسنونه

وعزيزٌ عليَّ سلِّيه لكنْ … كُلُّ سَيْفٍ فللظهور كُمونه

جَرَّدته يدي وفي القلبِ وَجْدٌ … كادَ يَفْرِي تَجَمُّلِي مكنونه

فضربتُ الزمانَ حتى استكانتْ … بِيضُهُ بعدما استطالتْ وجُونه

بحسام يأبَى الخيانة في الرَّوْ … عِ إذا خان آمناً مأمونه

ليس من جوهرِ الحديدِ مَصُوغاً … بل من المجدِ نصلُهُ وجُفونه

لو أُعير الزمانُ ما في ابنِ موسَى … من وفاءٍ لما تفانت قرونه

لو أعيرَ الحُسامُ مافي ابن موسى … من صفاءٍ لما جلته قيونُه

ماجدٌ ساخ عرقُهُ في ثرى المجْ … دِ وأوفت على الغصون غُصونه

من فَتى ً للذِّكاءٍ كلُّ حراكٍ … حلَّ فيه وللوقاء سكونُهْ

لم يَزَلْ ذا تَفَقُّد للخفايا … مُذْكياتٍ على الصَّديقِ عُيونه

يا فَتى آل بَرمكٍ لي مُرْجى ً … ما أرى ماجداً سواك يكونه

أحمدَ الحمدِ يا أبا حسن الحسْ … نَى إذا الظهرُ أثقلتهُ ديونه

أحمدَ الحمدِ يا أبا حسن الحُسْ … نَى إذا القلبُ حَالفتْه شُجونه

بيننا حُرمة ٌ وقد عضَّني الده … رُ ولاقَتْ ظهورَ أمرِي بطونه

شهد السيفُ أنَّكَ السيفُ حقاً … لا كَهامٌ يخونُ من لا يخونه

فامضِ في حاجتي فإنك في الحا … جة ِ مسعودُ طائرٍ مَيمونه

لك حظّ أراه يُعْنِقُ في السَّيْ … رِ فساير أخاك تُعْنِقْ حَرونه

إنَّ موسى نَجِيُّ من لا يناجَى … شُدَّ منهُ بِعَوْنِهِ هارونه

فأعنِّي فَرُبَّ صاحبِ كنز … مستثارٌ بغيره مدفونه

لا تدعْ محضراً تُحقِّقُ فيه … حُسْنَ ظَنِّي فالقولُ جَمٌّ فنونه

واكسُ شعري من النشيدِ نشيداً … كالغناء المُشذَّراتِ لُحُونه

فلكم مُعْوِرٍ سترتَ فما أعْ … ور مكسورُه ولا ملحونه

وإذا ما نشرت بزَّ صديق … فكديباج غيرهِ بِزَيونه

إنَّ للدهرِ منجنوناً فعالجْ … ه عسى أن يدور لي منجنونه

جُدْ بتسهيل حاجتي عند سهلٍ … للمعال سهوله وحُزونه

وَعْدُ أمنيِّة ِ المؤمل عنه … وعْدَ فيه ووعدُه مضمونه

أطلقَ المالَ جودُهُ يجتني ال … حَمد وأيدي المؤملين سجونه

بين ثوبَيْهِ شمسُ رأي وغَيْثٍ … مستهَلُّ الحيا علينا هُتونه

فالهُدى حيث تطلعُ الشمسُ مِنْهُ … والندى حين تستهِلُّ دجونه