عمر المختار – أحمد شوقي

رَكَزُوا رُفاتَكَ في الرّمال لِواءَ … يَستنهضُ الوادي صباحَ مَساءَ
يا وَيْحَهم نصبوا مَنارًا من دمٍ … تُوحِي إِلى جيل الغدِ البَغْضاءَ
ما ضرَّ لو جَعلوا العَلاقَة في غدٍ … بين الشعوب مَوَدَّةً وإِخاءَ
جُرْحٌ يَصيحُ على المدَى, وضَحِيَّةٌ … تتلمَّسُ الحريَّةَ الحمراءَ

يأَيُّها السيفُ المجرَّدُ بالفَلا … يكسو السيوفَ على الزمان مَضاءَ
تلك الصحارى غِمْدُ كلِّ مُهَنِّدٍ … أَبْلَى فأَحسنَ في العدوِّ بَلاءَ
وقبورُ مَوْتَى من شبابِ أُمَيَّةٍ … وكهولِهم لم يبْرَحُوا أَحياءَ
لو لاذَ بالجوزاءِ منهم معقِل … دخلوا على أَبراجِها الجوزاءَ

فتحوا الشَّمالَ: سُهولَهُ وجبالَهُ … وتوغَّلوا, فاستعمروا الخضراءَ
وبَنَوْا حضارتَهم, فطَاوَلَ ركنُها … (دَارَ السلامِ), و(جِلَّقَ) الشَّمّاءَ
خُيِّرْتَ فاخْتَرْتَ المبيتَ على الطَّوَى … لم تَبْنِ جاهًا, أَو تَلُمَّ ثَراءَ
إِنَّ البطولةَ أَن تموتَ من الظَّما … ليس البطولةُ أَن تَعُبَّ الماءَ

إِفريقِيا مَهْدُ الأُسودِ ولَحْدُها … ضجَّتْ عليكَ أَراجلاً ونساءَ
والمسلمون على اختلافِ ديارِهم … لا يملِكون معَ المُصَابِ عَزاءَ
والجاهليةُ من وَراءِ قُبورِهم … يبكون زَيْدَ الخيل والفَلْحاءَ
في ذِمَّة اللهِ الكريمِ وحفظِه … جَسَدٌ (ببرْقة) وُسِّدَ الصحراءَ

لم تُبْقِ منه رَحَى الوقائِع أَعظُمًا … تَبْلَى, ولم تُبْقِ الرِّماحُ دِماءَ
كَرُفاتِ نَسْرٍ أَو بَقِيَّةِ ضَيْغَمٍ … باتا وراءَ السَّافياتِ هَباءَ
بطلُ البَداوةِ لم يكن يَغْزو على … “تَنْكٍ”, ولم يَكُ يركبُ الأَجواءَ
لكنْ أَخو خَيْلٍ حَمَى صَهَواتِها … وأَدَارَ من أَعرافها الهيجاءَ

لَبَّى قضاءَ الأَرضِ أَمِس بمُهْجَةٍ … لم تخْشَ إِلاَّ للسماءِ قَضاءَ

وافاهُ مَرْفوعَ الجبينِ كأَنه … سُقْراطُ جَرَّ إِلى القُضاةِ رِداءَ
شَيْخٌ تَمالَكَ سِنَّهُ لم ينفجرْ … كالطفل من خوفِ العِقابِ بُكاءَ
وأَخو أُمورٍ عاشَ في سَرَّائها … فتغيَّرَتْ, فتوقَّع الضَّراءَ

الأُسْدُ تزأَرُ في الحديدِ ولن ترى … في السِّجنِ ضِرْغامًا بكى اسْتِخْذاءَ
وأَتى الأَسيرُ يَجُرُّ ثِقْلَ حَديدِهِ … أَسَدٌ يُجَرِّرُ حَيَّةً رَقْطاءَ
عَضَّتْ بساقَيْهِ القُيودُ فلم يَنُؤْ … ومَشَتْ بهَيْكله السّنون فناءَ
تِسْعُونَ لو رَكِبَتْ مَناكِبَ شاهقٍ … لترجَّلَتْ هَضَباتُه إِعياءَ

خَفِيَتْ عن القاضي, وفات نَصِيبُها … من رِفْق جُنْدٍ قادةً نُبَلاءَ
والسِّنُّ تَعْصِفُ كُلَّ قَلْبِ مُهَذَّبٍ … عَرَفَ الجُدودَ, وأَدرَكَ الآباءَ
دفعوا إِلى الجلاَّدِ أَغلَبَ ماجدًا … يأْسُو الجِراحَ, ويُطلِق الأُسَراءَ
ويُشاطرُ الأَقرانَ ذُخْرَ سِلاحِهِ … ويَصُفُّ حَوْلَ خِوانِه الأَعداءَ

وتخيَّروا الحبلَ المَهينَ مَنيّةً … للَّيْثِ يلفِظ حَوْلَهُ الحَوْباءَ
حَرموا المماتَ على الصَّوارِم والقَنا … مَنْ كان يُعْطِي الطَّعْنَةَ النَّجْلاءَ
إِني رأَيتُ يَدَ الحضارةِ أُولِعَتْ … بالحقِّ هَدْما تارةً وبِناءَ
شرَعَتْ حُقوقَ الناسِ في أَوطانِهم … إِلاَّ أُباةَ الضَّيْمِ والضُّعَفاءَ

يا أَيُّهَا الشعبُ القريبُ, أَسامعٌ … فأَصوغَ في عُمَرَ الشَّهِيدِ رِثاءَ
أَم أَلْجَمَتْ فاكَ الخُطوبُ وحَرَّمت … أُذنَيْكَ حينَ تُخاطِبُ الإِصْغاءَ
ذهب الزعيمُ وأَنتَ باقٍ خالدٌ … فانقُد رِجالَك, واخْتَرِ الزُّعَماءَ
وأَرِحْ شيوخَكَ من تكاليفِ الوَغَى … واحْمِلْ على فِتْيانِكَ الأَعْباءَ