على أيّ أخلاقِ الزمان أعاتبهْ – مهيار الديلمي

على أيّ أخلاقِ الزمان أعاتبهْ … و ما هو إلا صرفه ونوائبهْ

تفرى أديمي وهو بترٌ شفارهُ … و جافت جروحي وهو صمٌّ مخالبهْ

ندوبٌ تقفي هذهِ عقبَ هذهِ … و داءٌ إذا ما باخ أوقدَ صاحبهْ

شغلتُ يدي حينا بعدَ ذنوبهِ … و زدن فقد تاركتهُ لا أحاسبهْ

طرحتُ سلاحي وانترعتُ تمائمي … و ضاربه ينحى عليَّ وسالبهْ

ببيضٍ من الأيام هنّ سيوفهُ … و سودٍ من الليلاتِ هنّ عقاربهْ

أدامجه حتى يراني راضيا … مرارا وأعصى مرة فأغاضبهْ

فلا هو إن أطريته قابضٌ يداً … و لا خائفٌ عارا بما أنا عائبهْ

نصحتكْ لا تخدعْ بسنة ِ وجههِ … فشاهده حسنٌ تشوهَ غائبهْ

و لا تتمهدْ قعدة فوقَ ظهرهِ … فما هو إلا ضيغمٌ أنت راكبهْ

تردى رجالٌ قبلنا وتقطرتْ … بهمْ شهبهُ دون المدى َّ وشاهبهْ

و صرحَ عما ساءهم طولُ محضهِ … خبائثَ جرتها عليهم أطايبهْ

حبائلُ مكتوبٌ لها نصرُ كيدها … من الله لا يمحى الذي هو كاتبهْ

فمن مغلقٍ مستعجلٍ أو مؤخرٍ … مراخيهِ يوما لا محالة َ جاذبهْ

تصاممتُ عن داعي المنونِ مغالطا … و إني على طول السكوت مجاوبهْ

و قدمتُ غيري جنة ً أتقي بها … و من يوقَ من راميه لا بدّ صائبهْ

أخلاى أيمُ اللهِ أطلب ثأركم … من الدهر لو قد أدركَ الثأرَ طالبهْ

أفي كلّ يومٍ لي قضيبٌ مخالسٌ … و ذخرٌ نفيسٌ منكم الموتُ غاصبهْ

و كاسٍ من العلياء والحسنِ يعتدي … سليما على سيفي وسوطى سالبهْ

تطيحُ به زندي وجهدُ تحفظي … بميثاقهِ في الغيب أنيَ نادبهْ

و كم منكمُ كالنجم رعتُ به الدجى … زمانا خبا بعد الإضاءة ِ ثاقبهْ

و آخرُ لما سامحتني بأصله ال … منايا ذوتْ أغصانهُ وشعائبهْ

و أضحى بنوه غبطة ً وبناتهُ … تسلُّ بهم أنيابهُ ورواجبهُ

فينزو بلبيّ شجوهُ وتصيبني … بموضعه من سرّ قلبي مصائبهْ

ألا يا أخي للودّ دنياً وكم أخٍ … لأمي بعيداتٍ عليّ قرائبهْ

لحا الله خطبا شلَّ سرحك طردهُ … و جمعَ في إلهابِ قلبك حاطبهْ

رمتك يدُ الأيام عن قوسِ قارنٍ … إذا هو والي لم تخنه صوائبهْ

سقتك بكفًّ أدهقتْ لك ثانيا … و لما يفق من أولٍ بعدُ شاربهْ

فقرحٌ وقرحٌ لم تلاحمْ ندوبهُ … و دمعٌ ودمعٌ ما تعلق ساربهْ

و يا ليته لما تثنى تعلقتْ … مقاديرهُ أو استوين مراتبهْ

و لكنها كفٌّ هوتْ إثر إصبع … و حاركُ ظهرٍ بعدهُ جبَّ غاربهْ

حصاتان من درًّ حصانانِ لم تطرْ … يدٌ بهما ما دنس الدرَّ ثاقبهْ

هما بيضتا كنًّ بجانبِ ملبسٍ … حماه الطروقَ تيههُ وسباسبهْ

حرامٌ على الساري تضيعَ على القطا … أفاحيصهُ في جوه ومساربهْ

يحوطهما ما استطاعَ وحفُ جناحهِ … شعارهما دون التراب ترائبهْ

تراه يصادى حاجبَ الشمس عنهما … لو أنّ الردى ما أحرز الشيءَ هائبهْ

رزئتهما شمسينِ أقسمَ فيهما … ظلامُ الأسى َ ألاَّ تجلى َّ غياهبهْ

يعدون خرقا بالفتى في بناتهِ … إذا ما بكى أو ذلَّ للحزنِ جانبهْ

و كم من كريم عزهُ نجباؤه … فعزَّ بما ساقت إليه نجائبهُ

و بعضُ البناتِ من بها ينتج العلا … و بعض بني الإنسان في الحيّ عائبهْ

فإلاَّ تكونا صارمين فحذوتا … حسامٍ عتيقٍ لا تفلُّ مضاربهْ

أخي الحلم لم يملك عليه حياؤه … و لا كذبتهُ في الزمان تجاربهْ

إذا ولدَ استذكرنَ حزماً إناثهُ … كما ذكرتْ أخلاقهُ وضرائبهْ

تعزَّ ابن روحٍ إنما الموتُ مدلجٌ … إلى أمدٍ فيه النفوسُ مراكبهْ

و من أخرتهْ شمسُ يومٍ فلم يمت … يمتْ حوله أحبابهُ وحبائبهْ

و أعجبُ من ذي خبرة ٍ بزمانه … تنكر منه أن توالى عجائبهْ

خلقنا لأمرٍ أرهقتنا صدورهُ … فيا ليت شعري ما تجرّ عواقبهْ

غريمٌ ملطٌّ لا يملُّ وطالبٌ … بغير تراتٍ لا تنامُ مطالبهْ

و قد جربتك الحادثاتُ فلا تكن … ضعيفَ القوى رخواً لهنّ مجاذبهْ

و غيرك مغلوبٌ على حسنِ صبرهِ … و لا خطبَ إلا أنتَ بالصبرِ غالبهْ

برغميَ أن يسرى غزيٌّ من الأسى … اليك ولم تفللْ بنصري كتائبهْ

و إن كان خصما لا لساني ينوشه … و لا كلماتي الغاسقاتُ تواقبهْ

و يا لدفاعي عنك إن كان صارما … أصافحهُ أو كان ليثا أواثبهْ

و من لي لو أنّ الحزنَ يرعى جوانحي … فدى لك لو يرضى بقلبيَ ناصبهْ

فما هي إلا مهجة ٌ لك شطرها … و موهوبُ عيشٍ أنت ما عشتَ واهبهْ

و إن كان يطفي حرَّ لوعتك البكا … على أنه جاريه لا بدّ ناضبهْ

فدونك دمعي سائلا ومعلقا … فجامدهُ باقٍ عليك وذائبهْ

عتبتُ على دهري فسهلَ عذرهُ … بأنك باقٍ كلَّ ما هو جالبهْ

إذا سلمِ البدرُ التمامُ فهينٌ … على الليلِ أن تهوى صغارا كواكبهْ