عزفتُ فما أدري الفتى كيف يرغبُ – مهيار الديلمي
عزفتُ فما أدري الفتى كيف يرغبُ … و عفتُ فما أشكو القذى كيف يشربُ
و روضني لليأسِ هجرُ مطامعي … فبغض عندي الوفر وهو محببُ
رأيتُ الغنى ما ندَّ عني ففاتني … فكيف يخافُ الفوتَ من ليس يطلبُ
و أرضى عن الأقدارِ كيف تصرفت … و غيريَ بالأقدارِ يرضى ويغضبُ
أأشري بعرضي رفدَ قومٍ معوضة ً … و أشعرُ نفسي أنّ ذلك مكسبُ
فلا جرَّ رزقٌ غبطة ً وهو يجتدي … و لا سدَّ مالٌ خلة ً وهو يوهبُ
هنئيا لربَّ الرائحاتِ خلاصهُ … إذا ضافني مما يعقُّ ويحلبُ
و من قودها لي في الصلاب ثنية ً … و بزلاءَ تعصي في القيادِ وتصحبُ
تركتُ لمعطي النائلِ الغمرِ نيلهُ … و إني إلى ترك البخيلِ لأقربُ
فلا المدحُ في المسنى الجوادِ أكده … و لا اللحزُ المناعُ ذميَ يرهبُ
و يظلمني المولى وفي فيَّ ناصرٌ … و كفي فلا أشكو ولا أتعتبُ
إذا ذهبتْ بي رغبة ٌ عن تلاده … طريقاً فما لي عنه بالودّ مذهبُ
له خصبهُ دوني ولي نوطة ٌ به … و عونٌ على أيامه وهو مجدبُ
و للحبَّ مني ما أمنتُ خيانة ً … محلة ُ قلبٍ قلما يتقلبُ
أجرُّ الهوى مالان فضلة َ مقودي … و يعسفني حينا فآبي وأجذبُ
و ما كلما فارقتُ أشربُ دمعتي … و لا كلما غنى الحمامُ أطربُ
و كم ألفتني ظبية ٌ وهي فذة ٌ … فملتُ ولم أعطفْ وقد عنّ ربربُ
أحبُّ الوفاءَ محمسا ومغزلا … و أصحبهُ فيما أجدُّ وألعبُ
و أعطى يدي ما خلتني متفضلا … و أمنعها ما خلت أنيَ أرغبُ
فلو لقيتْ أيامُ دهري خلائقي … لكانت على جهلاتها تتأدبُ
و لو أنها للسلم جانحة ٌ معي … لكانتْ على الشحناء بي تتحببُ
و كنتُ لها عذرا إلى كلَّ ماجدٍ … يرى أنها في حربِ مثلي تذنبُ
و لكنها عجماءُ سيانِ عندها … شدا جاملٌ أو قال هجرا مؤنبُ
تشطُّ بأحبابي الذين أودهم … و تدنو بجارٍ لا أحبُّ فتقصبُ
و لو أنها تأوى لصوني لقربتْ … بعيدا وشطت بالذين تقربُ
كواكبُ آمالي وأقمارُ مطلبي … نأتني وفي الأحبابِ بدرٌ وكوكب
تطلعُ حينا من بروج سعودها … على َّ ويطويها البعادُ فتغربُ
إذا قلتُ هذا العامُ حسبُ وبعده ال … ثواءُ أتى في الأمر ما ليس يحسبُ
فكم يحملُ الثقلَ الضعيفُ وكم ترى … يقلُّ وسوقَ البعدِ جنبٌ مندبُ
و كم تكتسي في ظلَّ قومٍ أعزة ٍ … قوادمُ ريشي ثم تعرى فتسلبُ
و يأخذُ مني الحاضرون ببخلهم … فواضلَ ما يعطي السماحُ المغيبُ
أيدري الوزيرُ من كني عنه أو عني … نعم هو يدري ما أعمي وأعربُ
و إني بحبلٍ غيرِ أطنابِ بيته … على بيتِ شعرٍ ناصح لا أطنبُ
سماتُ بني عبد الرحيم سلائطٌ … على وجهِ أشعاري تنيرُ وتثقبُ
لهم جمتا فكري مطيلا ومقصرا … و صفوتهُ صرفاً وبالماء تقطبُ
فلو قلتُ إني في مديح سواهمُ … صدقتُ لقال الشعرُ في السرَّ تكذبُ
همُ أمكنوني من ظهورِ مآربي … فأركبُ منها ما اشاء وأجنبُ
ألمُّ بهم ما لا يلمُّ بشاعبٍ … و أرأبُ فيهم صدعَ ما ليس يرأبُ
و أستعتب الأيامَ وهي مصرة ٌ … بهبتهم حتى تفيءَ فتعتبُ
همُ رحمي والأقربون معقة ٌ … و فيهم أبي البرُّ الرؤوفُ ولا أبُ
و دولتهم لا عطلتْ لي مواسمٌ … و أيامهم سوقٌ بفضلي تجلبُ
ذخرتُ لهم كنزا مواريثَ قومهم … فمن رامني من غيرهم فهو يغصبُ
فلا أسمعتْ ذبيانُ بعدي وبعدهم … بني منذرٍ عذرا به العفوُ يوجبُ
و لا فرحتْ أقيالُ آلِ أمية ٍ … بما سيرتْ فيها تميمٌ وتغلبُ
أيا راكبَ العشواءِ يطرحُ صدرها … خطارا على الشقَّ الذي هو أتعبُ
ترى ظلها في الشمس تحسبُ أنه … لأخرى سواها لاحقاً أو ستقربُ
تغارُ إذا ما ابصرتْ ظلَّ سنبكٍ … على الأرض جلى َّ سابقا وهي تعقبُ
كأن فجاج الأرض نقدٌ لركضها … تغير عليهِ كيفَ شاءت وتنهبُ
تنص مقاضاتين للسير تلفظُ ال … محالَ وتوعي الحقَّ نصحاً فتوعبُ
و كالئة ٍ ترعى الشخوصَ كأنها … أخو ليلة ٍ بات الربيئة َ يرقبُ
إذا اقتضيتْ في ذمة النجم حاجة ٌ … فتلك لديها دعوة ٌ لا تخيبُ
تحملْ سلامي واحتقبْ ليَ حاجة ً … تضيءُ لك المسرى وطرقك غيهبُ
إلى شرف الدين انتزعها إهابها … و دعها على نارِ السياط تلهبُ
إلى ملكٍ لا يسلكُ النومُ جفنهُ … و في الملكِ صدعٌ بالسهاد يشعبُ
و لا تبلغُ الأثقالُ غاية َ جهدهِ … إذا ظلت البزلُ المصاعيبُ تشغبُ
تفحصَ في الآراءِ حتى أرينهُ … على غير فحصٍ أيّ أمريه أصوبُ
و أتعبه التدبيرُ حتى أراحه … و قد تستريح النفسُ من حيث تتعبُ
فكن مبلغاً عنيّ وحظك عنده … إذا أنت باسمي فهتَ أهلٌ ومرحبُ
و قل يا عميد الدولة اعطفْ وإن جنتْ … فما زلة ٌ إلا وعفوك أرحبُ
تلافَ عصاها أن تشقَّ فإنها … بسوء القضايا تلتحي وتشذبُ
و داركْ ذماها وهو بعدُ فربما … تخور القوى أنْ ينفعَ المتطببُ
يقربك الإقبالُ حينا فتؤنس ال … حياة ويقصك الشقاءُ فتعطبُ
و من أعجب الأشياء تعليلها بمنْ … ترى عجزه من حظه يتعجبُ
فإن يبلغوا بالداء لا يحسمونه … و عندهمُ منك الدواءُ المجربُ
إذا طلقتْ منك الوزارة ُ أصبحتْ … مجدذة ً من حسنها تتسلبُ
تغوثُ بالأسحار تدعو صباحها … و تبكي زمانَ الوصل منك وتندبُ
تخالُ بها ربعا محيلاً تساقطتْ … تحاجلُ فيه الساحجاتُ وتنعبُ
بنيتَ بها بكر الصبا فمن الذي … يصفي هواها وهي شمطاءُ ثيبُ
و أبرحُ من تعنيسها وهي أيمٌ … إذا غبتَ من يسمى لها وهي تخطبُ
و هذا أوان الشدَّ فانهضْ بحملها … وثبْ واثقا إنَّ العلاءَ توثبُ
فما كلُّ ما استوضحتَ فيها هداية ٌ … و ليس ضلالا كلُّ ما تتنكبُ
قد اشتاقك الملكُ الذي أنت أنسهُ … و أوحشَ صدرٌ منه وارتاعَ موكبُ
و قد أعجفَ الروادُ واعتصروا الحيا … من الصخر إذ أمست سماؤك تحجبُ
و قصَّ جناحُ الشعرِ لا الطبعُ جاريا … يرقُّ ولا مستولدُ الفكر ينجبُ
فنحن كأنا لم نصفْ ملكا ولم … نقم قطّ ما بين السماطين نخطبُ
و كائنْ لنا من موقفٍ متشهرٍ … لديك يطيبُ القولُ فيه ويعذبُ
تميزُ به عنقَ القوافي وهجنها … و تعلمُ ما ذا يجتبى ويحببُ
و وجهك بسامٌ إلى المدح مقبلٌ … عليه ووجهُ الدهر جهمٌ مقطبُ
و كم ثمَّ من مسترزقٍ حلفتْ له … لهاك وبرتْ أنه لا يخيبُ
و عيشٍ يبيسٍ بالسماح بللتهُ … و وجهك فيه من بنانك أرطبُ
رعى اللهُ منك البحرَ لم أروَ بعده … بلى َ ربما أفعمتَ والبحرُ ينضبُ
و مطرحَ آمالي الذي كلُّ ضيقٍ … عليه فسيحٌ عنده ليَ مرغبُ
و ما لي إذا أعسرتُ من كلَّ وجهة ٍ … و جاهي الذي من بعضه المالَ أكسبُ
تأجنُ غدراني وماؤك سلسلٌ … و تخبثُ أوطاني وتربك طيبُ
وَ جودك لي سيان ما كنتَ حاضرا … قريبا وما ينأى وما يتقربُ
فلولا مضيضُ الشوقِ لم أشكُ غصة ً … و لا أجحفَ التردادُ بي والتقلبُ
و لكنك العينُ التي كلُّ غبطة ٍ … إذا هي لم توجدْ عناءٌ معذبُ
فلا حولتْ عني ظلالك خطة ٌ … تحلُّ ولا محذورة ٌ تترقبُ
و عشتَ لمثلي واحدا في زمانه … و للناسِ بعدي يطلبون وتطلبُ
أجازي نداك الغمرَ نشرا مخلدا … كلانا مطيلٌ في معانيه مطنبُ
بكلّ مطاعٍ أمرها مستجيبة ٍ … لدعوتها الأسماعُ تزجى وتوهبُ
تولجُ لا تخشى تلونَ آذنٍ … لها الخلواتُ والرواقُ المحجبُ
يقرُّ لها بالفضلِ من لم تقلْ له … و يعظمها العيابُ والمتعصبُ
لها كلُّ صوتٍ كلُّ راويه مبلغٌ … فصيحٌ ومن غنى به فهو مطربُ
تصفتْ فقد كادت مع التبر تقتنى … و رقتْ فقد كادتْ مع الماء تشربُ
مصدقة في المدح أسرفَ أو غلا … و مأمونة ما تستزيدُ وتعتبُ
تزورك يوما في نديك تجتلى … و يوما مع السفارِ تقرا وتكتبُ
تسوقُ التهاني خلفها وأمامها … تصعدُ في الدنيا بكم وتصوبُ
تذكركم من حقها إن نسيتمُ … بما تقسم الأعيادُ حظا وتنصبُ
ترفعُ عن تيه المصيبِ وعجبهِ … و لكن بكم فخرا تتيهُ وتعجبُ