عرجا في ربوعها وسلاها – إبراهيم اليازجي
عرجا في ربوعها وسلاها … كيف تسلو متيماً ما سلاها
وأعطفاها بوصف سقمي وما بي … من شجون الهوى ولا تعتباها
واذكرا ودي القديم وما لم … تنسه من حنينها وجواها
رب دمع أسلته بعد هجر … مزجته بمثله عيناها
وليال تضاحك الأنس فيها … اشفقت من زوالها فشجاها
يعلم الله ما بقلبي وما تجهل … ما فيه أنه في حماها
وسقامي بها وأن أنكرته … شاهد بالذي جنت مقلتاها
عذلتها في الظنون ولم تسمع … للاح قبل الظنون لحاها
وإذ كان في السلو شفاء … فقليل سلونا في شفاها
وأنا الصب لا أزال كما تعهد … مني متيماً في هواها
أحمل الصد فوق محمل دهري … حابس النفس كاتماً شكواها
نازلت صبري الخطوب فولت … عاثرات باليأس بعد مناها
تركت في شباته ثلمات … مثل ما في رؤوسها وشواها
والليالي عدوها كل حر … ناصبته الطعام تحت لواها
والعداوات كالمودات في الناس … تساوي الأقدار من مقتضاها
وخدوش الظراء ألم مضا … من جراح السيوف رقت ظباها
من عذيري من عصبة أنا ممن … لامني في تطأمني لولاها
وعظتني بجهلها فأفادتني … رشداً وفات رشدي هداها
وإذا الرفق لم يفد كان في الشدة … رفق بالنفس يشفي أذاها
وإذا الحلم جر حرب سفاه … فمن الرأي أن يصير سفاها
وإذا الجهل أورث السكر نفساً … فسوي الجهل لا يكون دواها
رب سلم جنت من الشر ما لم … تجنه الحرب حين دارت رحاها
وعشير جرت مصافاته العارر … وأمسى عداوة منتهاها
وخصال الفتى تنم عليه … مثل ريح عرفتها من شذاها
جلدة اللؤم لا تحول ولو أبرز … من بزة العلى معصماها
وأخو العذر لا يصافي وما للؤم … من ذمة تشد عراها
وبنفسي وإن غلت نفس حر … لست بالنفس خاسراً في فداها
ذي وداد كأنه الفضة البيضاء … زادت يد الزمان جلاها
وذمام كأنه الصخرة الصماء … لاقت من الخطوب مياها
كامل الفضل في اقتبال شباب … هان فيه على الشيوخ نهاها
اكسبته الأيام حلماً لو ارتد … إليها لم نشك جهل قضاها
وحباه الزمان أخلاق لطف … لم تحل عند سخطه عن رضاها
من لشمس الضحى بنور هلال … من سماء الشهباء قد حياها
تلك شرق في الشرق قد كاثرته … أنجماً غالب النجوم سناها
بلدة مجدها تواصل في الأعصار … مثل الأعصار في مجراها
كلما استدبرت من الدهر يوماً … زاد سطراً على حديث علاها
وسقى الله ارض حمص وحيث … نفحات الرضى خصيب ثراها
هي فردوسي القديم ومنها … ثمرات الحياة كان جناها
نفحتني من سرها نسمة حين … سرت هز غصن وجدي سراها
من حبيب تروي الصبا عن معانيه … فتحيي نفوسنا رياها
أدب أخجل الأزاهر فاحمرت … حياء وكللت بنداها
ومعان هي السلاف تلافت … ما جنته السلاف في صرعاها
قد أطاعته شاردات القوافي … راشدات فأنطقت من عصاها
طال عهدي بها إلى أن جفتها … همة قصرت بها في مداها
إنما الشعر من صبابات هذا القلب … يغني معينه بغناها
ومشيب الرؤوس ينبيء عماهل … من مثل فعله في سواها
ورواح زارت وفيها دلال … زاد ليناً بلينه عطفاها
فتنت قلب هائم تركته … حائراً بين أنسها وجفاها
عاتبتني على صروف زمان … قد رماني بشؤمه لا رماها
وعتاب الأحباب حلو وأحلاه … مذاقاً ما جاء من أحلاها
والهوى مورد الظنون وبعض الظن … أثم غلطت بل حاشاها
هي أوفي عهداً وأرشد من أن … تشمت الحادثات في مضناها
وأنا الصادق الوفاء وإن لم … يصدق العزم تارة في وفاها
يا غصون المنى سقتك الغوادي … فأفادتك نشأة سقياها
والتداني حسبي وللدهر فينا … بدوات نقول رب عساها