عبد الله المزمار – محمد القيسي

شيء ما

يحدث خلف الباب،

يد تطرق ، أم أنَّ دما يتدفق ،

من صدر ما

أم أنَّ الريح السريَّة ساقت عبد اللّه إليّ

دالية أول هذا الليل وساقية ،

تصعد من أنبوب الموت الصحراويّ

أيُّ ظلال تتبدَّى الآن وراء ستار العتمة،

عبر شبابيك الحيّ

أين ترى عبد الله ..

وكيف يخبىء أو يطفىء مشعله ..

(كيف لهذا المزمار البلديّ)

أن يصمت..

أو يدخل في خوذة جنديّ

شيء ما يحدث..

شيء ما .

عبد اللّه المزمار

عبد اللّه الفلك الدوَّار

عبد اللَّه بلا عمل،

أو جار

لكنَّ وظيفته أن يقرأ هذا الخطأ المتواصل،

أن يتكامل ،

في الليل حدودا

ووجودا

ويرى ما ليس يرى . عبد اللّه التّذكار

عبدالله المتوسط ، نكهة خبز الأم،

وشاي المغرب ، والدار

عبد الله السنبلة المغتربة والآسوار

عبد الله

الطلقة والآه .

شيء ما

يحدث خلف الباب ،

فمن أين أجيء ، ومن أين يجيء إلينا

من هذا الظلُّ المتمدّد فينا

والساكن في الليل مآقينا

الأرض أم الشارة ،

والصدر أم الغارة ،

هذا عبد الله اذن

من يغمره الرمل العربيُّ ولا يغرق

شيء ما يحدث ..

فلعبد الله الأزرق

تتزيَّن بثياب البحر صبايا القرية ،

يهبطن إلى النهر بأسرار أغانيهنَّ القمريَّة

يتحدَّثن

فيشرق فوق أصابعهنَّ،

بنفسجة سريّة

ينفضن جدائلهنَّ الرمليَّة

يرشقن النهر الصامت ،

برماح الأضلاع

ثم يغادرن

وعبد الله الملتاع

ينسلُّ خفيفا من ماء النهر

ويستل أغنيَّة

شيء ما يحدث ..

ها هو ثانية يملأ أفق الوديان ،

ويصرخ في البريًّة

يدخل فاصلة البدء، يركَّب جملا

أو يصعد تلاَّ

ليقول قصيدته الأولى في الطرد ،

فعبد الله بلا ملكوت

عبد الله حزين كالسَّعف العربيَّ

حزين كالعرب الرحَّل ،

ووحيد ،

كالنخلة في الأندلس الغارب

مزمار منفيٌّ ، وبيوت

ذاكرة تتكاثر ، لا تتناثر وتموت .

شيء ما يحدث

ها هوذا عرس يبدأ ،

فتحطُّ عصافير الوديان ،

يجيء الرعيان بقطعان الماعز ..

والصبية يأتون ،

الفتيات كنوَّار اللوز يجيئن ،

الأشجار تهلَّل ، والأرض تحدّث أو

تتنفس عن أقراط من برقوق.

تسطع في ثوب من تفاح ،

التفاح أغان ،

التفاح بروق

والرجل المستند على حجر بين قطيع الماعز ،

يتكشَّف عبر الشبَّابه

عن شجر مقصوف ورنين كآبه

يتكشَّف عن أفق مسكون بهواجس أعشاب ووعول

وصحارى تتدفَّق وحقول

شيء ما يحدث ..

ها هو ذا عرس

ها عبد الله يلوح

في الصف الثاني ، في الصف الثالث ، في الرابع

أو في صف ما

في هذا المقعد أو ذاك

في هذي القاعة ،

أو خارج هذي القاعه

ها عبد لاله يلوح ، سأصرخ

شيء ما يحدث

شيء ما

من سأنادي ، من سأنادي يا عبد الله

يا عبد الله

يا عبد الله تعال نجمَّع هذي الأحزان ،

نعبىء قمصان الوحدة بالنافر والآسر والمتفجَّر ،

وتعال نغني

يا عبد الله تعال نغنّي

نمتدُّ إلى شجر لا يذبل،

نبدع سكنا وكمينا

عبد الله يحلُّ وحيدا في الأغصان ،

جميلا وحزينا

ينسلُّ إلى الماء يغني لامرأة يسكنها ..

تسكنه خنجر

عبد الله خطى تتواصل،

لا آنية تتكسَّر .

شيء ما يحدث،

وصدى لغناء يأتي من طرف الليل

فيرجف عبد الله .

سارا موّال وغزال

والقرية أعراس

فلمن يندلع رنين الأجراس

ولمن هذا الشال

يبرق في الخاطر يا سارا

ولمن هذا الخلخال

يطلع عبد الله ، ويطلق زفرته الأولى :

لا يحضر عبر سواد الليل أليَّ سوى سارا

لا يطرق بابي الموحش في هذي البريّة ،

غير أصابع سارا

من يملك أن يختصر الساحل،

والشجر المتطاول،

في عنق قرنفلة،

أو نسمة ريح من ناحية البحر

سوى سارا..

آه سارا

لأكاد الآن أشمُّ حقول الحنطة،

والتين الجبليَّ،

وأغمض إذ تتشرَّبني أنفاس الفجر المتسرَّب

طيَّ جدائلك اليليَّة ،

تتحفَّر كلُّ مساحات الجسد وتصرخ

سارا سارا

سارا سارا

سارا سارا

سارا سارا

يا عبد الله وتشتعل الأسئلة مواكب تنثال ، مراكب

تنهال ،

على خاصرة الأرض ، وتقرع صدري

يا عبد الله

في أيَّ مخيم

غمضت عيناك ونمت

يا عبد الله

أو ما مت

هل غطَّتك الأوراق طويلا

وتسرَّبت إلى الثمر النائم

كيف نسجت ظلالا وتستَّرت بها زمنا ،

ثم حلمت

أن تأتي وتقاوم

في هذا الغسق الدمويَّ من السَّلم ،

أم أنك شاهدة نزعت من قبر غائم

أو نصب ما

يتجوَّل بين العاصمة وبين النهر

كيف اقترفت قدماك خطيئة هذا السير

شيء ما يحدث ..

شيء ما

هل مرَّ هنا عبد الله

هل مرَّ هنا عبد الله فأحدث هذي النكهة وأثار الأشياء

أم أنَّا نتوَّهم صورته في الماء

فنعدُّ له شكلا

وقواما ورداء

أو أنّا نحلم ونطوَّف في الصحراء وحيدين ،

يجلَّلنا الهم

يا عبد الله

ها إنَّك توقظ أحزان العامَّة،

وتثير حفيظة أبناء العم

فلماذا لا تبحث عن زاوية في أيَّ فراغ كونيّ

تسكنها ..

حتى ينفذ نسلك من آخر حيّ

كي ترتاح الأرض ، وترتاح العرب البائدة ..

فقد أثقلت عليهم قيلولتهم في دوحة هذا السلم

يا عبد الله ونفَّرت مواشيهم في هذي البيد ،

فماذا تطلب ، ماذا تطلب،ماذا تطلب..

قطعة أرض تنصب خيمتك عليها،

دعك أذن ، دعك اذن ..

فهنا وهناك

كلأ يا عبد الله لزغب قطاك

فأرح قطعانك في هذا الشعب ونم

يا عبد الله ولكنَّك تطلقها داوية

في هذا الصمت فلسطينيّ

شيء ما يحدث ، يحدث

آخ يا عبد الله .

أين تقود خطاك رياح النّفيّ؟

أين تقود خطاي رياح النفيّ؟

تنثرني حتى أتجمَّع

تكسرني حتى أتوجَّع

فألمُّ عظامي من أطراف الأرض وأنفخ فيها،

سبحان الحيّ

سبحانك يا شعبي الحيّ

يا سادة من تجتمعون الآن حواليّ

أنت من يخرج في هدأة هذا الوقت إليَّ عليّ

أنت من يخرج في ذلَّ الصمت إليَّ عليّ

وأنا عبد الله العربيُّ ، أنا عبد الله العربيّ

هذا ما أنبأني الأمس به واليوم

أنبأني من رحلوا

أنبأني من لم يصلوا

أنبأني من سيجيئون من الجرح العربيَّ ، غدا …

أنبأني الأمل .