طَربتُ إلى رَيْحانة ِ الأنفِ والقلبِ – ابن الرومي

طَربتُ إلى رَيْحانة ِ الأنفِ والقلبِ … وأعمالها بين العوازف والشَّرْبِ

ولا عيشَ إلا بين أكوابِ قهوة ٍ … تَوَارَثَها عَقْبٌ من الفرس عن عقبِ

من الكُمْت قبل المزج صهباءُ بعدَهُ … سليلة ُ جُونٍ غير كُمْتٍ ولا صُهبِ

سُلالة كرمٍ شارفٍ غير أنها … عُلالة ُ عود من دِنان القُرى ثِلْبِ

تأتَّتْ أكفُّ القاطفين قِطافَها … فسالت بلا عَصْرٍ ودَرَّت بلا عَصْبِ

أطافت بها الأيامُ حتى كأنها … حُشاشة ُ نفس شارفَتْ منقضى نحبِ

لها منظرٌ في العين يشهدُ حسنُهُ … على مَخْبِرٍ يُهدي السرورَ إلى القلبِ

تردُّ صفاء العيش مثلَ صفائها … وتكشفُ عن ذي الكرب غاشية الكربِ

جلاها من الأطباع طولُ ثَوائها … وإمرارُها الأحقابَ حِقباً إلى حقبِ

فلو رُفعتْ في رأس علياءَ لاهتدى … بكوكبها السارونَ في الشرق والغربِ

غَنِيٌّ عن الريحان مجلسُ شَرْبها … بنشرٍكنشرالمسك في مُحتوى نهبِ

ولم ترَ موموقاً إلى النفس مثلها … تُشَمُّ فتُلقى بالعبوس وبالقَطْبِ

يناضل عنها الماء حين يَشُجُّها … نفيٌّ لها مثلُ الدَّبا لجَّ في الوَثْبِ

لها مَكْرعٌ سهلٌ يخبِّر أنها … ذَلول وفيها سَورة ُ الجامح الصعبِ

سأَعْصِي إليها اللَّومَ في بطنِ روضة ٍ … كساها الحيا نَوْراً كأدرية ِ العَصْبِ

وكم مثلها من بنتِ كرمٍ جلوتُها … على كلِّ خِرق ماجد الجَدِّ من صحبي

له خُلقٌ عذبُ المذاق ولن ترى … مِزاج كؤوس الراح كالخُلُق العذبِ

يسرُّك في السراء حُلوٌ نِدَامُهُ … وأنجَدُ في العَزَّاءِ من صارمٍ عضبِ

بمُونِقة ِ الرُّواد حُوٍّ تِلاعُها … تُراعي بها الأُدمانُ آمنَة َ السَّربِ

صففنا أُباريقَ اللُّجين حِيالَها … فمثَّلْنَ سِرباً مُشرئباً إلى سرْبِ

تظل تُرانيها الظباءُ تخالُها … ظِباءً وتدنو فهْي منا على قُربِ

إذا نحن شئنا عَلَّلتنا صوادحٌ … من الطير جمَّاتِ الأهازيج والنَّصْبِ

فذاكَ نَصيبُ السِّلم عندي ولم أكنْ … لأنسى نصيبَ الحرب في نُوُب الحربِ

أخي دون إخواني إذا الحربُ شمَّرت … حسامٌ بحدَّيه فلولٌ من الضربِ

له حين يعلو قَوْنَسَ القِرن هَبَّة ٌ … تُواصلُ ما بين الذؤابة والعَجْبِ

إذا شيمَ فيه بارقُ الموت أو مَضتْ … به صفحة ٌ مثلُ العقيقة في الجلبِ

ومُطَّردٌ مثل الرِّشاء تهزه … كعوبٌ تدانت فيه مثلَ نوى القَسْبِ

عليه سِنانٌ يَرْعُفُ الموتَ لهذمٌ … قليلُ التخفِّي بالجوانح والجنبِ

وكلّ ابن ريحٍ يسبِقُ الطرفَ مَعْجُه … تُطَوِّحُه عَطْوَى منوعاً لدى الجدبِ

صنيعٌ مَريشٌ قوَّم القَيْنُ متنَه … فجاء كما سُلَّ النخاع من الصُّلْبِ

يُغلغلُهُ في الدرع نصلٌ كأنه … لسانُ شجاع مُخرَجٌ همَّ باللَّسْبِ

ومَوْضُونَة ٌ مثل الغدير حصينة ٌ … تفُلُّ شباة َ السيفِ ذي المضرب العضبِ

فذاك عَتادي فوق أجردَ سابحٍ … يُريحُ زفيرَ الجري من مَنْخَرٍ رحبِ

ذَنوبٍ يمس الأرض عند صيامه … بضافٍ يواري فرجَهُ سَبِط الهُلْبِ

له عند إيغال الطريدة في الوغى … أَجاريُّ مضمونٌ لها دَرَكُ الطِّلبِ

يُدِلُّ على صُم الصفا بحوافر … من اللائي أُعطين الأمان من النَّكبِ

بذلك إن دارت رحَى الحرب مرة ً … ثبتُّ ثباتَ القطب في مركز القطبِ

إذا أُخِّرتْ سرجُ الجبان وجدتَني … أغامسها في حومة الطعن والضربِ

متى يَلقني قِرْنِي فإنّ قُصارَهُ … على ضَربة ٍ أو طعنة ثَرَّة ِ الشَّخبِ

وإني لذو حلمٍ وشَغْبٍ وراءه … فحلمٌ لذي حلمٍ وشغب لذي شغبِ

وإني لنَحَّارٌ لدى الأَزْبِ لا يَني … قِرايَ من الكُوم المقاصيد كالهَضْبِ

إذا حاردتْ خورُ العِشار حلبتها … دماءً وقدْماً كان ذلك من حلبي

وقد يَرْجعُ الوجناءَ سيري وعينُها … مُهَوَّكة ٌ مثلُ الصُّبابة في الوَقْبِ

طويتُ حشاها طية َ البُرد بعدما … طويتُ بها سهباً عريضاً إلى سهبِ

أنا ابن شهابِ الحرب قومي ذوو العلا … ولا فَخر إن الفخر فرعٌ من العُجْبِ

وكم من أب لي ماجد وابن ماجد … له شرف يُرْبي على الشرف المُرْبي

إذا مَطرتْ كفاهُ بالبذل نَوّرتْ … له الأرضُ واهتزت رُباها من الخصْبِ

وإن حاول الأعداءُ يوماً بكيدِه … أحلَّ بمن عاداه راغية َ السَّقبِ

وحُرٍّ من الفتيان ليس بقُعْدُدٍ … ولا قائلٍ من فعلِ مكرمة ٍ حَسْبي

أخي ثقة ٍ لو أصبح الناسُ كلهم … عليَّ معاً حِزباً لأصبح من حزبي

أنوءُ به فيما عرا وأعدُّهُ … لساناً وسيفاً في الخطاب وفي الخَطْبِ

أبحتُ حمى قلبي له دون غيره … وأنزلتُهُ في السهل منه وفي الرَّحْبِ

إذا اشتركَ الورَّادُ في الشِّرب أخلصتْ … له النفسُ وُداً غيرَ مشتركِ الشِّربِ

وقد حاول الواشون إفساد بيننا … فأعيى على ذي المكرِ منهم وذي الإربِ

سوى أنهم قد آذنونا بجفوة ٍ … أدالت رضانا ما حَيِينا من التَعبِ

وَشَوْا فعرَفنا للتجافي مرارة ً … وهبنا لها مهما أتيناهُ من ذنبِ

فعُدنا وأصبحنا بحيث يسرُّنا … من الوصلِ والواشون في مَزْجَر الكلبِ