طغت الدماء وفاضت الأرواح – أحمد محرم

طغت الدماء وفاضت الأرواح … وطمت سهولٌ بالردى وبطاح

أين الشرائع من شريعة ظالمٍ … يفني النفوس وما عليه جناح

مشت الجنود إلى الجنود وإنما … مشت المنون حواصداً تجتاح

مهج تطير بها الحتوف فترتمي … عن أنفسٍ يودي بها ويطاح

رثت المذابح للدماء مراقة ً … ملء البطاح وما رثى الذباح

ينهل صيبها فيثنى عطفه … مرحاً ويزخر سيلها فيراح

فاضت حواليه فضرج عرشه … منها وخضب تاجه الوضاح

ملك ولا غير الجماجم حوله … سورٌ ولا غير الرقاب سلاح

عصف الجلاد بها فظل يطيرها … بيدٍ تطير بها ظبى ورماح

بغت الملوك على الشعوب وغرها … ممن تسوس تجاوزٌ وسماح

جنبوا الخلائق طيعين وربما … جمح الجنيب فطال منه جماح

الظلم مفسدة النفوس وما لها … غير الترفق في الأمور صلاح

تشتد ما اشتد العصاب فإن يلن … لأن الأبي وأقصر الطماح

إن يسجن الظلم النفوس فعنده … باب الفكاك وعندها المفتاح

فيم التناحر والخلائق أخوة ٌ … والعيش حق للجميع مباح

والدهر سمحٌ والحياة خصيبة ٌ … والرزق جم والبلاد فساح

إنا وإن قدم المدى لبنو أبٍ … يغدى بنا في شأنه ويراح

أنظل في الدنيا يفرق بيننا … بغضٌ ويجمعنا وغى ً وكفاح

ما بالنا نشقى لتنعم عصبة ٌ … ملكت فلا رفقٌ ولا إسجاح

تقسو وتزعم أنما هي رحمة ٌ … تحيي النفوس ونعمة ٌ تمتاح

طلبت مودات القلوب وملؤها … حرقٌ تهيج حقودها وجراح

عند الشعوب مآتمٌ ما تنقضي … طول الحياة وعندها أفراح

أين الملوك المرتجون لغمرة ٍ … تجلى وخطبٍ يعتلى فيزاح

ذهب الرعاة الصالحون وغالهم … قدرٌ لإفناء الشعوب متاح

كانوا مصابيح الرشاد إذا دجت … ظلم الحياة وأعوز المصباح

كانوا الغياث إذا تنوب عظيمة ٌ … وتهول بارزة النيوب وقاح

كانوا الأساة إذا تحطم منكبٌ … وانهاض من وقع الخطوب جناح

يجدون ما يجد اللهيف من الأسى … ولربما ناح الحزين فناحوا

ذهبوا فما حيا الممالك بعدهم … عدلٌ ولا أحيا الشعوب فلاح

خلت القرون ونورهم متبلجٌ … ومضى الزمان وفكرهم فياح

الحرب هادمة الشعوب وإنها … للشر بين العالمين لقاح

تخبو وتقتدح الحقود رمادها … كالنار هاج كمينها المقداح

صدعٌ وإن طال المدى متفاقمٌ … ودمٌ وإن جف الثرى نضاح

أرأيت من ذهب الردى بعتادها … فإذا العتاد تفجعٌ ونواح

وإذا الحياة سفينة ٌ لعبت بها … هوج الرياح وخانها الملاح

في جوف مصطخبٍ كأن عبابه … صورٌ لعادي الموت أو أشباح

وكأنما دعيت نزال فأجفلت … للحرب رابية العديد رداح

أشقى النعيم حياتها وأباحها … خدرٌ أعز وذائدٌ جحجاح

عربية ٌ أوفى بعزة قومها … نسبٌ لهم في الكابرين صراح

البأس ملتهبٌ إذا ما حوربوا … وإذا استنيلوا فالندى دلاح

وإذا يهاب بهم إلى أكرومة ٍ … نفروا وإن سيموا الهوان أشاحوا

مفجوعة ٌ ولعت بها أحزانها … ومحت غضارة عيشها الأتراح

كانت إذا درج النسيم بسوحها … درجت إليه أسنة ٌ وصفاح

وتصاهلت جرد تطير إلى الوغى … وكأنما طارت بهن رياح

باتت يؤرقها تضور صبية ٍ … أخذ الطوى منهم فهم أطلاح

ولهت أتطلب أم تموت كريمة ً … ما عابها طلب ولا استمناح

ضنت بصبيتها ورونق وجهها … فتحدرت عبراتها تنساح

حتى إذا أخفى النجوم مغارها … ومحا الظلام صديعه المنصاح

بكرت تمر على الخيام حيية ً … عجلى فلا ريثٌ ولا إلحاح

زال النهار ولم تنل يدها يدٌ … فأمض منقلبٌ وساء رواح

عادت إلى أفراخها فإذا بهم … صرعى فصاحت تستجير وصاحوا

وإذا فتاة ٌ كالربيع خصيبة ٌ … وفتى ً كريعان الصبي مسماح

رأيا هموداً ما يحير جوابها … إلا العيون مشيرة ً والراح

بصرا بأربعة ٍ ولوح خامسٌ … فتأملا فبدا الجميع ولاحوا

فزعا إلى الحيين ثمت أقبلا … فإذا جزورٌ جمة ٌ ولقاح

وإذا إماء جئن بعد هنيهة ٍ … فإذا العلاب تفيض والأقداح

شربوا الحياة تدب في أجسامهم … فمشى دمٌ فيها ودب مراح

لو ذاق أهوال الحروب جناتها … كف العسوف وأمسك السفاح

عالجت أدواء الشعوب وسستها … فإذا الدواء توددٌ وصفاح

وبلوت أسباب الحياة وقستها … فإذا التعاون قوة ٌ ونجاح

من للمالك والشعوب بموئلٍ … تأوي النفوس إليه والأرواح

ومتى يرد الحائرين إلى الهدى … نهجٌ أسد وكوكبٌ لماح

دجت العصور فما يبين لأهلها … نور الحياة وما يحين صباح

نستفدح الأنفاس تحملنا وما … منا لعبء شرورنا استفداح

أخلاقنا جربٌ ونحن صحاح … وقلوبنا خرسٌ ونحن فصاح

لو عاينت صور النفوس عيوننا … لم يعدها أنف ولا استقباح

سن الملوك لنا طرائق ما بها … للخير مضطربٌ ولا منداح

وإذا الملوك تنكبت سبل الهدى … غوت الهداة وضلت النصاح

ولقد تبينت الأمور مجرباً … فإذا الحياة دعابة ٌ ومزاح